فجأةً، وبعد فترة ركود مريرة في مسار عملية التسوية، يشهد الشرق الأوسط موجة من المحاولات تهدف إلى تنشيط الجهود من أجل إيجاد حل للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي طال أمده. وفي الحقيقة، فإن الكثيرين يعتقدون أن انعدام القيادة الفعالة على الطرفين هو الذي يؤدي إلى حالة الجمود الحالية. ولكن قد تكون هناك أسباب أخرى نادراً ما يتم التطرق إليها. إن استمرار انعدام التقدم سيكون أيضاً بسبب بعض التغيرات الديموغرافية بعيدة المدى. فالطرفان كلاهما على ما يبدو يستدعيات توصيفات دينية، يزيد الشعور بها أو يقل، ويستبطنها كل منهما كحافز في سياسته تجاه الآخر. وربما يكون الأكثر مدعاة للفزع هو أن هذا الحماس الديني قد يكون متمحوراً حول التغيرات الديموغرافية التي تجري في إسرائيل. وهي تغيرات قد تُثبت بأنها الأشد تحدياً أمام واضعي السياسة الذين يسعون إلى إيجاد حل سلمي للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. وثمة عنصران ديموغرافيان بارزان يؤثران بشكل خاص على سياسات إسرائيل: ازدياد القطاع الأرثوذكسي المتطرف من السكّان، والهجرة المُعاكسة لعلماء إسرائيل ومفكريها وباحثيها. والأخطر أن نسبة المواليد العالية ضمن المجتمع الهاريدي (الشديد التديّن) تزيد من نفوذ هذه الشريحة السياسية. ووفق إحصاءات الحكومة الإسرائيلية، فإن نسبة الخصوبة بين نساء اليهود الهاريديين تصل 7.6 طفل لكل امرأة، وهي نسبة تمثل ثلاثة أضعاف نسب معدلات زيادة السكّان في بقية الشرائح الإسرائيلية. وفي مجتمع منقسم سياسياً كما هو الحال في إسرائيل، فإن من شأن ذلك أن يُتيح لحزب ديني صغير ممارسة سلطة قوية على أية حكومة ضعيفة نسبياً. وقد سجل شيء من هذا القبيل مؤخراً، فعلى سبيل المثال، وافق أولمرت على توسيع مستوطنة غيفات زئيف شمال القدس. وقد جاء قراره نتيجة للضغط الذي مارسه حزب "شاس" الديني، وهو تآلف يميني التوجهات يُشارك في حكومة أولمرت ويُهدد بانهيارها إذا لم تستجب لمطالبه بالتوسع. ويتوقع الديموغرافيون استمرار نمو القطاع الديني اليميني من السكّان. إذ إن ميزتهم الديموغرافية خلال العقود القادمة ستعطيهم نفوذاً سياسياً أوسع فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية. ويشارك في هذه الظاهرة التوجه الديني اليميني في إسرائيل، وحركة "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان وغيرها من الحركات الدينية على امتداد العالم. وبالإضافة إلى ارتفاع نسبة الخصوبة بين السكّان المتدينين، فإن إسرائيل تواجه زيادة غير مسبوقة في هجرة العلماء الإسرائيليين والمفكرين والباحثين إلى الخارج، والذين يميل معظمهم إلى العلمانية. وقد قدر البروفيسور دان بن ديفيد من جامعة تل أبيب أن إسرائيل قد خسرت ما مقداره "عشرة في المئة" من خيرة علمائها. وحتى هذه اللحظة، فإن نسبة العلماء الإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة تبلغ حوالي 25 في المئة من مجموع العلماء الإسرائيليين. وبينما تواجه القطاعات الأكثر تعلماً والأكثر علمانية في المجتمع الإسرائيلي الضغوط، وتهاجر إلى الخارج، فإن اليمين الديني يواصل نموه محلياً. وفي الجانب الآخر، كانت إسرائيل تاريخياً، قلقة حول ما يتعلق بالنمو السكاني لعرب إسرائيل، والخطر الذي يشكلونه على "يهودية" الدولة. وعلى رغم أن هذا ما زال قائماً، فإن اللهجة الدينية الطاغية عموماً على النقاش السياسي هي نتيجة أخرى للتغيرات الديموغرافية. ومثل هذه التوجهات تشير إلى أن الوقت قد لا يكون إلى جانب من يرغبون في تحقيق السلام. رجا كمال ــــــــــــــــــــــــــــــ عميد تنمية الموارد في كلية هاريس للسياسات العامة بجامعة شيكاغو. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "مصباح الحرية"