سألني مذيع إحدى الفضائيات فور انتهاء قمة دمشق: كيف تصف هذه القمة؟ فقلت إنها قمة البكائيات. فهناك من بكى لغياب عدد كبير من الزعماء العرب وإنابة بعض الموظفين للحضور احتجاجاً على موقف سوريا من الملف اللبناني. وهناك من بكى للدور الذي يرى أن سوريا تلعبه في التحالف مع إيران والتباعد عن العواصم العربية، وهناك من بكى للوصف الذي أطلقته الصحف الرسمية السورية على ظاهرة غياب الزعماء عندما اعتبرت أن القمة قد خلت من أي فيروس أميركي. وهناك من بكى للمفارقة الساخرة عندما أطلقوا على القمة الممزقة شكلاً وموضوعاً، اسم قمة التضامن، وكأننا مصممون على استخدام قناع اللغة لإخفاء وجه الواقع. وهناك من بكى للنهاية التي اختتم بها الأمين العام للجامعة العربية هجومه القوي ونقده القاسي لفشل مسيرة السلام وانعدام جدية مسيرة "أنابوليس" حتى الآن، وتصميم إسرائيل على المراوغة وزرع المستوطنات وارتكاب المجازر وضرب الحصار، حيث توقع المستمعون أن يرتب الأمين العام على هذا النقد الشديد قراراً يناسب الحالة، فإذا بالنهاية تتمثل في الإعلان عن انتظار ماذا سيفعل الرئيس بوش وعقد مؤتمر لوزراء الخارجية للنظر في الأمر. مرة أخرى كانت اللغة قناعاً يخفي وجه الواقع، وهناك من بكى عندما سمع القول السوري بأن الضغوط التي مورست عليها كانت تهدف إلى دفعها إلى التدخل في الشأن اللبناني وأن سوريا رفضت، في حين أن البعض الآخر بكى عندما سمع وزير الإعلام اللبناني يقول، إن لبنان رفض حضور القمة بسبب تدخل سوريا لدى المعارضة اللبنانية لإفشال مبادرة الجامعة العربية لتعيين قائد الجيش رئيساً للجمهورية. أما بالنسبة لي شخصياً لم أشعر بأي ميل للبكاء تجاه تلك الوقائع، بل شعرت أنني أمام دراما عربية معتادة تستخدم فيها اللغة لتجميل الذات وتشويه الآخر، كمهرب من مواجهة الذات بالنقد البناء ومن محاولة بناء جسور مع الآخر الشقيق تسد الفجوات القائمة في الواقع. عندما سألني المذيع، وهل ترى أملاً في تجاوز هذا الواقع الممزق والعاجز والذي اعتدنا أن نخفي عوراته بأوراق التوت المنسوجة من الكلمات؟ أجبت نعم أرى أملاً، فإذا كان المحور الكلاسيكي الذي شهده العمل العربي الموحد منذ التسعينيات قد جسدته وحدة عواصم ثلاث هي الرياض والقاهرة ودمشق، وإذا كان هذا المحور قد تعرض الآن إلى الانقسام بانفصال سوريا وانضمامها إلى طهران، وإذا كان إخواننا في الخليج يساورهم القلق من مخاطر إيرانية معينة، فلماذا لا نعمل على استعادة محور الرياض القاهرة دمشق، في سياق جديد؟ وسألني المذيع وما هو هذا السياق؟ فقلت إن مخاوفنا في الخليج من الدور الإيراني تتعلق بمبدأ تصدير الثورة في معطف مذهبي شيعي وكذلك تنبع من ذلك الاستعراض المستمر للقوة التقليدية والإنتاج المتواصل لأسلحة قادرة على تهديد إخواننا في الخليج، ناهيك عن ذلك الغموض الذي يلف الملف النووي. كذلك فإن انزعاجنا من الدور الإيراني في لبنان يتعلق بشق وحدة الصف الوطني ويتصل في فلسطين بتكريس الصراع بين "فتح" و"حماس"، بل وإن مخاوفنا في مصر تصل إلى حد التوجس من مسألة تصدير الثورة في المعطف المذهبي. وإذا كانت كل هذه مخاوف عربية من الدور الإيراني، فلماذا لا نراهن على دمشق لتقوم بدور الجسر الحواري والتفاوضي الصريح بين العرب وإيران لتبديد أسباب المخاوف العربية؟ وسألني الصحفي، هل ترى أن هذا هو الأمل المتاح بعد القمة التي أسميتها قمة البكائيات؟ قلت نعم اعترف أنها مجرد بداية لرؤية، لكنني أتصور أن الساسة العرب قادرون على تطويرها وتكليف سوريا كرئيس للقمة لمدة عام بالعمل في هذا الاتجاه، فإذا نجحت فقد كسبت أمتنا أمراً عظيماً وإن فشلت فلن نخسر شيئاً. سألني المذيع، هل ستكتب هذا؟ قلت نعم في مصر والإمارات، فلابد من بداية لرؤية تعالج الواقع الممزق.