منذ سنوات قليلة، ترأست بصفتي وزيراً للمواصلات، وفداً أميركياً عالي المستوى، لحضور مؤتمر عن سلامة الطيران في العاصمة التايلاندية بانكوك. وبنهاية المؤتمر، أثار وزير المواصلات التايلاندي موضوعاً لم يكن مدرجاً على جدول الأعمال وذلك عندما قال: "ما أود مناقشته معك يا سيادة الوزير هو موضوع سلامة الطيران، الذي يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لنا هنا في تايلاند". لمعرفة مدى أهمية هذا الموضوع، تكفي معرفة أنه خلال العام الماضي فقط، فقد 965 شخصاً حياتهم في حوادث تحطم طائرات وقعت في مختلف مناطق العالم. وهذا العدد يقل عمن يفقدون حياتهم على الطرق الخارجية السريعة في مختلف مناطق العالم (يومياً) والذي يزيد على 3000 شخص. وتشير الإحصائيات إلى أن 1.2 مليون شخص يموتون سنوياً جراء الإصابات التي تلحق بهم بسبب تعرضهم لحوادث السير، وهو عدد من الضحايا يقارب عدد من يموتون سنوياً بسبب الملاريا والسل الرئوي. والعدد الكبير لضحايا حوادث الطرق يومياً، يدفعنا إلى وصف ما يحدث بأنه وباء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. ومما يفاقم من خطورة هذا الوباء، أنه خفي لا يظهر في صدارة وسائل الإعلام، مما يعود لأسباب عدة يمكن إجمالها على النحو التالي: إن حالات الوفاة بسبب حوادث الطرق تحدث بمعدل حالة واحدة أو حالتين في الدقيقة الواحدة. والثاني، أن تسع حالات من بين عشر تقع في الدول النامية. والثالث، هو أننا لا نمتلك إحصائياتٍ دقيقةً عن تلك الحوادث، مما يجعلنا غير قادرين على قياس حجم المشكلة بالضبط. ولكن السبب الرئيسي في رأيي لكون تلك الحوادث لا تشكل أخباراً تحتل الصدارة، هو أننا نكون في غالبية الأحيان خاضعين لسطوة أحاسيس القدرية، أي أننا ننظر إلى تلك الحوادث باعتبارها قضاء وقدراً في النهاية، أي لا يمكن التنبؤ بها، أو منعها. لذا نادراً ما يحتل موضوع سلامة الطرق مكاناً في أجندات الاجتماعات والمؤتمرات الدولية. وكما علمت أثناء وجودي في تايلاند، فإن العديد من الدول والحكومات في العالم النامي في أمسِّ الحاجة حالياً للحصول على مساعدات تمكنها من التعامل مع معدلات الوفيات المتزايدة الناتجة عن حوادث السيارات على الطرق، ولكنها نادراً ما تحصل على الاستجابات المطلوبة مع ذلك. يمكن لهذا الوضع أن يتغير بالطبع. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ستصوت قريباً على خطة لعقد أول مؤتمر عالمي على مستوى وزاري حول سلامة الطرق. وإذا ما تمت الموافقة على عقد ذلك المؤتمر، فإن ذلك سيمثل خطوة كبيرة للأمام نحو رفع مستوى الاهتمام الإعلامي بهذا الوباء، ونحو اقتراح الإجراءات التي يتعين على الحكومات في مختلف مناطق العالم القيام بها من أجل تخفيض نسبة الوفيات والإصابات الناتجة عن حوادث الطرق. العالم لم يعد لديه وقت كي يضيعه. ومن دون عمل مستدام، فإن حوادث الطرق في بعض الدول النامية- كالهند على سبيل المثال- ستزداد بحلول منتصف القرن الحالي. ولعله من المفيد، أن نعرف في هذا السياق أن الأمر قد احتاج من الولايات المتحدة الأميركية إلى قرابة 40 عاماً لمواجهة مشكلة حوادث الطرق، والتقليل من عدد الضحايا الناتج عن هذه الحوادث، وبناء طرق أكثر أماناً، وتصميم سيارات تراعي أعلى معايير السلامة، والقيام بحملات توعية لتغير سلوك السائقين والمارة على الطرق الخارجية والداخلية. على الرغم من أننا لا نزال نفقد 43 ألف شخص كل عام بعد كل تلك الجهود، فإننا تعلمنا منها الكثير من الدروس. وأفضل الدول أداءً من حيث سلامة الطرق الخارجية مثل السويد وهولندا وأستراليا، تتبنى نهجاً يقوم على استخدام "المنظومات الآمنة"، وهو نهج يشبه إلى حد كبير الفلسفة التي ينبني عليها موضوع سلامة الطيران. وهذه الدول تثبت من خلال ذلك النهج وغيره، أنه من الممكن الحيلولة دون وقوع العديد من حوادث الطرق، وذلك من خلال الالتزام الدائم من قبل السلطات بموضوع سلامة الطرق، وإصرارها على تطبيق إجراءات السلامة مثل استعمال أحزمة الأمان، وارتداء خوذات واقية للحد من حوادث الوفيات الناتجة عن تعاطي المشروبات الكحولية، وعن السرعة الزائدة على الطرق، مع إنفاق المزيد من الأموال على بناء طرق أكثر أماناً، وتصنيع سيارات تتمتع بأعلى مواصفات السلامة. ومن الواجب علينا أن نتقاسم الدروس التي تعلمناها مع الكثير من الدول الأخرى، وخصوصاً النامية، لاسيما أن الفجوة بين إجراءات سلامة الطرق في الدول المتقدمة ومثيلتها في الدول النامية تزداد اتساعاً على الدوام. وإذا ما استمرت المعدلات الحالية لحوادث الطرق في التصاعد، فإن الدول النامية ستجد نفسها مضطرة هي الأخرى إلى بذل جهودها الخاصة والاعتماد على إمكانياتها الذاتية من أجل تخفيف نسبة حوادث الطرق، ونسبة الوفيات والإصابات الناتجة عن تلك الحوادث، وخصوصاً على ضوء تلك التوقعات المخيفة، التي تشير إلى أن ما يقرب من 100 مليون إنسان يعيشون في مختلف مناطق العالم، يمكن أن يفقدوا حياتهم خلال العقود القادمة في حوادث السير، وذلك ما لم تتغير المعدلات الحالية والمتزايدة لتلك الحوادث. هذا هو النهج الذي يمكن تطبيقه في جميع الدول سواء كانت غنية أو فقيرة للحد من آثار هذا الوباء. والولايات المتحدة والمنظمة الأممية على وجه التحديد تقفان الآن أمام مفترق طرق: فإما أن تقبلا بانتشار الوباء، ووصول عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق إلى 100 مليون في العقود التالية، وإما أن تعملا بكل ما لديهما من جهد من أجل الحيلولة دون تحول هذا الاحتمال المفزع إلى حقيقة واقعة. ــــــــــــــ نورمان واي. مينيتا ــــــــــــــ وزير المواصلات 2001- 2006 ووزير التجارة 2000- 2001 الأميركي السابق، يشغل حالياً منصب الرئيس الشرفي لحملة "اجعلوا الطرق آمنة". ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"