رغم إصرار جهابذة السياسة الخارجية في واشنطن، ومعهم العسكريون الأميركيون، على أن سياسة كسب العقول والقلوب، تمثل مفتاح النصر على الإرهاب العالمي، فإن برنامج الدبلوماسية العامة للولايات المتحدة، لم يحقق سوى تقدم محدود فيما يتعلق بتحسين صورة أميركا في العالم، وهو ما يرجع إلى أن هناك عدداً قليلاً من القائمين على ذلك البرنامج، يعترف بأن الجهل الأميركي بالإسلام وبالمسلمين يمثل خطئاً مميتاً. وهناك العديد من الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا السياق؛ منها على سبيل المثال: ما مدى معرفة الأميركيين بآراء ومعتقدات المسلمين في مختلف أنحاء العالم؟ الإجابة وفقاً لاستطلاعات الرأي التي تم إجراؤها: ليس كثيراً. ولا يستغربنّ أحد، والحال هكذا، أن نجد أن أغلبية الأميركيين (66% منهم) يعترفون بأن لديهم بعض التحيزات ضد المسلمين، وأن واحداً من بين كل خمسة منهم يعترف بأن لديه "قدراً كبيراً" من التحيز ضدهم. ونِصْف الذين شاركوا في تلك الاستطلاعات قالوا إنهم لا يؤمنون بأن المسلمين الأميركيين "موالون" لوطنهم، كما أن واحداً من بين كل أربعة قال إنه لا يريد أن يكون جاره مسلماً. لكن ما الذي يجعلنا نهتم بهذه التحيزات ضد المسلمين؟ هناك أسباب عديدة لذلك: أولها أن تلك التحيزات تقوض الحرب على الإرهاب، لأنها تؤدي إلى تشخيص المواقف تشخيصاً خاطئاً، ومن ثم تضعف القدرة على معرفة الأسباب الجذرية لتلك المواقف، مما يقود إلى وصفات للعلاج تضر أكثر مما تنفع في النهاية. الثاني: أن تلك التحيزات تجعل دبلوماسيتنا العامة، تبدو وكأنها ضرب من النفاق، وتجعل بالتالي مهمة الدبلوماسيين الأميركيين في إقناع المسلمين حول العالم بأن الولايات المتحدة تحترمهم، وأن الحرب على الإرهاب ليس غرضها تدمير الإسلام، تزداد صعوبة على الدوام، خصوصاً مع استمرار تدفق الآراء التي تعبر عن مشاعر معادية للمسلمين، والتي يتم بثها من قبل معلقين في البرامج الحوارية التي تبثها محطات الجناح اليميني في أميركا، والتي يتم سماعها بعد ذلك في مختلف أنحاء العالم من خلال شبكة الإنترنت. أخيراً وليس آخراً، فإن المشاعر المناوئة للمسلمين تغذي التضليل الإعلامي، كما تتغذى عليه. ونقصد بالتضليل الإعلامي في هذا السياق الأخبار المشوهة التي تنقصها الحقائق والأدلة الدامغة. بتداءً من عام 2001 شرع "معهد جالوب لاستطلاعات الرأي" في إجراء أكبر وأشمل استطلاع من نوعه، حيث أمضى ست سنوات في استطلاع آراء عينة من الناس، تمثل نحو 90% من المسلمين الذين يبلغ تعدادهم 1.3 مليار مسلم تقريباً. وقد أثبتت نتائج ذلك الاستطلاع، أن ما يتردد من اتهامات للمسلمين على ألسنة صناع السياسة وخبرائها في أميركا، هو في الحقيقة اتهامات زائفة ولا أساس لها. فمثلاً توصل هذا الاستطلاع إلى أن 72% من الأميركيين لا يقرون الرأي القائل بأن "غالبية مواطني الدول الإسلامية يرون أن الرجال والنساء يجب أن تكون لديهم حقوق متساوية"، وذلك رغم حقيقة أن غالبية ممن تم استطلاع آرائهم، حتى في أكثر المجتمعات الإسلامية محافظة، يشجبون ما يعتقده الأميركيون في هذا الشأن، حيث يرى 73% من السعوديين، و89% من الإيرانيين، و94% من الإندونيسيين، أن الرجال والنساء يجب أن يتمتعوا بحقوق متساوية. فضلاً عن ذلك، تبين أن غالبية المستطلعين يعتقدون أن المرأة يجب أن يكون لديها حق العمل خارج المنزل في وظيفة مناسبة: 88% في إندونيسيا، و72% في مصر، و78% في السعودية. أما عن حق المرأة في التصويت دون ضغط من أحد، فيرى 87% من الإندونيسيين و91% من المصريين، و98% من اللبنانيين، أن من حقها ذلك. وأثبت ذلك الاستطلاع أن نسبة المسلمين حول العالم، ممن يدينون مهاجمة المدنيين تكاد تقترب من نظيرتها الأميركية، حيث بلغت نسبة الأميركيين الذين يرون أن تلك الهجمات مبررة تماماً 6%، بينما بلغت هذه النسبة في السعودية 4%، وفي لبنان وإيران 2%. وهنا قد يطرح البعض سؤالاً: إذا ما كان معظم المسلمين يرفضون الإرهاب حقاً، فلماذا ينتشر الإرهاب في البلاد الإسلامية؟ إن ما يمكن استخلاصه من نتائج هذا الاستطلاع، هو أن الإرهاب لا يختلف عن أعمال وجرائم العنف الأخرى. فجرائم العنف تحدث في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يعني أن هناك قبولاً أميركياً عامّاً بجرائم القتل والاعتداء. على نفس المنوال، فإن وجود الإرهاب في الدول الإسلامية وانتشاره، لا يمثل في حد ذاته دليلاً على أن المسلمين يتقبلونه لأن الحقيقة هي أنهم ضحايا له. على ضوء ذلك، يمكننا القول إن الأميركي العادي يجب ألا يُلام على تلك المدركات الخاطئة، لاسيما أن تحليل محتوى وسائل الإعلام، يظهر أن غالبية التغطيات الإخبارية الأميركية حول الإسلام هي تغطية سلبية. فمن ناحية يتعرض الأميركيون لقصف يومي من القصص الخبرية عن المسلمين وعن الدول الإسلامية تؤدي إلى كثير من الإدراكات الخاطئة، ومن ناحية أخرى فإن ما يقوله المتطرفون من ذوي الصوت العالي، في كثير من البلدان الإسلامية، رداً على تلك الأقوال يؤدي بدوره إلى إدراكات خاطئة. لذلك، وبدلاً من ترك المجال مفتوحاً أمام المتطرفين من الجانبين كي يصوغوا شكل الحوار بين الإسلام والغرب، فإننا بحاجة إلى الاستماع لأصوات الناس العاديين، لأن انتصارنا في الحرب على الإرهاب يتوقف على ذلك. ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"