يُعد المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أحد أهم المؤتمرات التي تعقد في العالم العربي للتباحث حول مستقبل هذه الأمة، لأنه يستقطب قادة في التفكير من العالم كله، وأهم ما يؤمنه لهم المؤتمر حرية التفكير والتعبير التي تفتقدها العديد من المؤتمرات العربية، مما أدى إلى موتها قبل حياتها. جاء المؤتمر الثالث عشر كي يركز على منطقة الخليج العربي، ويكون الفحص والتأمل في قضية المحافظة والتغيير. وقد أجمع جل الحضور على أن المحافظة، إنْ كان المقصود بها البقاء على ما كنا عليه، فهي سمة منبوذة، لأنها تعني التخلف، وهذا سر قرآني وإعجاز بياني في كتاب الله تعالى في قوله:"لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر"، ففي الآية لم تتم الإشارة إلى المحافظة أو البقاء في المكان نفسه، لأن ذلك يعني التخلف؛ فالإنسان والأمم إما أن يتقدما أو يتخلفا، وخليجنا العربي هو في طريقه المستمر للتقدم. الكلمة الثانية من شعار المؤتمر حملت في طياتها العديد من المحاذير، لأن كلمة التغيير قد تعني التغيير الإيجابي، وهو المقصود والمطلوب، أو التغيير السلبي، وهو ما نحذر منه. مَن استعرضَ الأوراق العلمية للمؤتمر، يجد أنها خاضت في جوانب التغيير المختلفة، وقدمت رؤى وأطروحات جريئة، وقد تكون متعارضة في الوقت نفسه، كي تتاح الفرصة للعقلاء من أجل البحث واستمراره للوصول إلى ما هو أفضل، ففي المجال السياسي كان هناك طرح يتلخص في تحويل أنظمة الحكم الخليجية إلى ملكية دستورية، بمعنى الفصل بين الأسر الحاكمة في الخليج، وإدارة شؤون الدولة اليومية. وهذا طرح مستقبلي بحاجة إلى دراسة والاستفادة من تجارب مَن سبق في هذا الإطار، فليس أسوأ في السياسة من القفز إلى المجهول، وما تجارب من حولنا منا ببعيدة. اليوم الأخير، في تصوري، كان الأخطر، لأنه بحث موقعنَا من العولمة وأثرها على الحياة الاجتماعية ومفهوم المواطنة والإرهاب العالمي وموقفنا منه. وكان ختام المؤتمر في جلسة ساخنة جداً، لأنها كانت خلاصة لكل ما ذكر في جلسات المؤتمر، السخونة جاءت لعوامل منها خطورة ما طرح وأهمية من شارك فيها لقربهم من صناع القرار، فسعادة الدكتور جمال سند السويدي مدير عام المركز أدار الجلسة بكل قوة، وقد أسعدنا عندما ركز على قضية اللغة العربية ومخاطر التنازل عنها وعدها من ركائز الهوية. وكان في الجلسة الدكتور سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام الأسبق في دولة الكويت، والذي تطرق إلى أخطر موضوع في المؤتمر وهو علمنة الخليج، فالدكتور سعد يرى أن تنزيه الدين الإسلامي يكمن في تحويله إلى طقوس فردية ولادخل له في الدولة ولا التعليم هذا كما قال إن أردنا الدولة المعاصرة، والتي ستبعدنا عن كل الصراعات التي يسببها الدين متى ما ربط بالسياسة. وهذا طرح نحسن الظن بقائله ولا نتهمه بالعلمنة كما قال، لكن العقل إنما يُنار بعقل مثله، والحجة تقابلها حجة أخرى، فإذا كان ملخص ما قاله الدكتور سعد يقتضي تخلي دول الخليج عن ربط الإسلام بسياستها قياساً على العلمنة في أوروبا وأميركا، فإنه قياس مع الفارق، فمن يدرس تاريخ الدين في أوروبا، يرَ أنه حُرّف حتى استخدم في اضطهاد الفقراء على حساب الإقطاعيين، وحرم أصحاب العلم من علمهم واكتشافاتهم، لأن ما يذكرون يتعارض مع ما تقول به الكنيسة، كل هذه الأمور وغيرها دفعت عقلاء أوروبا إلى ربط الدين بالتخلف، وكان الحل في فصل الدين عن الحياة. والوضع ليس كذلك في الإسلام، فمن يدرس الحضارة الإسلامية يجد أن المحرك الأول للنهضة، إنما كان الإسلام، والدافع الأساس للتطوير والبحث العلمي كان للإسلام وبه، وهناك نماذج لدول إسلامية رايتها بيضاء، وهي لم تتخل عن الإسلام ومنها ماليزيا. وعندما تخلت تركيا عن الإسلام باسم العلمانية، تحولت من أمة تقود العالم إلى أخرى تتمنى أن تكون ملحقة بأوروبا.