كشفت إحصائية رسمية نشرتها الصحف مؤخراً أن نسبة الأخطاء الطبية في مستشفيات الدولة تتراوح بين 6 و8%، في حين تلقت وزارة الصحة، بحسب هذه الإحصائية، 119 شكوى خلال الأعوام الأربعة الماضية، منها 23 شكوى خلال عام 2007. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تتفق مع النسب العالمية، فإن المطلوب هو تقليلها إلى الحد الأدنى، إذا لم يكن في الإمكان القضاء عليها بشكل مبرم، ذلك أن كل خطأ طبي يحدث قد تترتب عليه وفاة مريض أو إصابته بإعاقة مزمنة يظل يعانيها طوال حياته. وبالنظر إلى هذه الخطورة الكبيرة للأخطاء الطبية، يجب أن يتم التعامل معها بمنتهى الحسم، سواء على صعيد تفادي وقوعها أصلاً أو توقيع أشد أنواع العقوبة على الطبيب الذي يرتكب مثل هذه الأخطاء. والحاصل أن الدولة تولي هذه القضية أهمية خاصة، حيث نص القانون الاتحادي رقم (7) لسنة 1975 في مزاولة مهنة الطب البشري، في مادته رقم (25) على أن يكون الطبيب مسؤولاً عن النتيجة التي يصل إليها المريض. وحددت المادة (26) على سبيل الحصر الأحوال التي يكون الطبيب مسؤولاً فيها، ومن ثم فقد كفل هذا القانون حقوق المريض عند وقوع خطأ طبي بحقه، وتطبق وزارة الصحة برنامج "سلامة المرضى" في المستشفيات كإجراء وقائي للحد من الأخطاء وإهمال الطواقم الطبية، ويُلزم البرنامج الأطباء بالدقة قبل وأثناء إجراء الجراحات. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الحاجة ما تزال ماسة لاتخاذ المزيد من الخطوات للتعامل مع هذه المشكلة، أولها، ضرورة تشديد العقوبة المتخذة في حق الطبيب الذي ارتكب خطأً طبياً وبالذات في حالة الأخطاء التي تكون ناتجة عن رغبة الطبيب في الكسب غير المشروع من مريضه، وذلك بأن يقوم بإجراء جراحي أو علاجي معين يدر عليه مردوداً مادياً مع أن المريض ليس بحاجة لهذا الإجراء الجراحي، وكذلك في الحالات التي يخطئ فيها المريض نتيجة لإهمال معين، مثل عدم حرصه على استيفاء جميع المعلومات اللازمة للتشخيص كطلب التحاليل المختبرية وصور الأشعة اللازمة، وكذلك في الحالات التي يكون الخطأ فيها ناجماً عن جهل الطبيب، كأن يكون يعلم أنه يجهل، مثل أن يعالج أحد المرضى المصابين بمرض ليس من اختصاصه دون أن يحيل الحالة إلى اختصاصي المرض نفسه، وهو خطأ لا يغتفر للطبيب لعلمه أنه ليس المخول بعلاج الحالة. ثانيها، يجب على المستشفيات تسجيل كافة الأخطاء الطبية وإجراء إحصاءات كونها ضرورة لمعرفة نسبة الأخطاء واتخاذ التدابير اللازمة للتقليل منها، حيث إن معظم الأطباء لا يرغبون في تسجيل أخطائهم الطبية خوفاً من الاعتراف بها، وما يترتب على ذلك من إجراءات قد تتخذ بحقهم، وبذلك تتكرر الأخطاء وتزيد. ثالثها، ضرورة العمل على المزيد من توفير التخصص في المجالات الطبية المختلفة، وتوفير التخصص ضمن التخصص (كطبيب الأطفال المختص في أمراض الكلى لدى الأطفال، أو جرَّاح العظام المختص بأمراض وإصابات الركبة مثلاً)، فهذا الأمر الذي يسهم كثيراً في تلافي الوقوع في الخطأ الطبي، وذلك لأن الطبيب المختص في مجال معين تكون له الخبرة في وضع التشخيص الصحيح. رابعها، ضرورة العمل على تدعيم الوعي الصحي في المجتمع، لأن المرضى في حاجة إلى زيادة الوعي لديهم لإدراك ضرورة استشارة الأطباء أصحاب الاختصاص والضمير. خامسها، ضرورة الإسراع بتطوير التشريعات الناظمة للمجال الطبي، بما يتوافق مع التطورات التي شهدتها الدولة.