تعد دولة الإمارات العربية المتحدة أحد المنتجين الرئيسيين للنفط في عالم اليوم، وتقدر احتياطاتها المؤكدة بحوالي 98 مليار برميل، أي ما يمثل نحو 10% من احتياطي النفط العالمي، وهذا ما يبوئها المركز الرابع بين كبار أعضاء منظمة "أوبك"، بعد كل من السعودية وإيران وفنزويلا. إلا أن حوالي 94% من إجمالي الاحتياطي النفطي لدولة الإمارات، يوجد في إمارة أبوظبي التي تطور قطاعها النفطي بسرعة كبيرة خلال العقود الأربعة الأخيرة، إذ أصبحت مصدِّراً عالمياً رئيسياً للنفط. ذلك التطور هو ما يتابع محطاته ومفاصله الحيوية كتاب "التجربة البترولية لإمارة أبوظبي". ففي هذا الكتاب يسلط الدكتور عاطف سليمان، والذي تعامل مع الجوانب القانونية والاقتصادية لصناعة النفط خلال أكثر من أربعين عاماً، يسلط الضوء على الأوجه المختلفة لتلك التجربة، والإنجازات المتعددة التي حققتها، وأبرز عناصر السياسة البترولية التي انتهجتها الإمارة. ويمهد الكتاب لموضوعه بلمحة وافية عن نشوء صناعة البترول في الشرق الأوسط وتطورها، والتغييرات التي طرأت على ملكية صناعة النفط والسيطرة عليها، خاصة مع تأسيس شركات النفط الوطنية في بلدان الشرق الأوسط، وصدور قرارات التأميم في بعضها حول السيادة الدائمة على المصادر الوطنية. يجد القارئ في هذا الكتاب، تفاصيل وافية وخلاصات دقيقة شافية حول تاريخ الصناعة النفطية في إمارة أبوظبي؛ فقد بدأت عمليات التنقيب عن النفط في الإمارة عام 1939، حين منح حاكمها امتياز التنقيب عن النفط وإنتاجه لـ"شركة تطوير البترول المحدودة"، حيث بدأت الشركة عمليات المسح الجيولوجي في العام نفسه، لكن عملياتها توقفت بسبب الحرب العالمية الثانية، قبل أن تستأنف نشاطها عام 1947. وتم حفر أول بئر نفطية في أبوظبي عام 1950 في منطقة "رأس صدر" البرية، لكن تم التخلي عنه، ثم استؤنف الحفر عام 1958 في منطقة "باب" حيث عُثِرَ على النفط، وبدأ الإنتاج فعلياً عام 1962. وبينما كان يجري تطوير الحقل، بدأ العمل على إنشاء خط أنابيب طوله 113 كليومتراً من "باب" إلى مرفأ جبل الظنة، ليتم تصدير الشحنة الأولى من نفط أبوظبي نهاية عام 1963. وفي العام نفسه تم العثور على حقل "بوحصا"، ثم عُثر في عام 1965 على حقل "عصب" الذي تم الثبت من امتدادين له أحدهما سمي حقل "شاه" والثاني حقل "سهل". وتمثل حقول "الباب" و"بوحصا" و"عصب"، أهم ثلاثة حقول برية في إمارة أبوظبي. وإلى جانبها هناك أيضاً ثلاثة حقوق بحرية رئيسية هي حقل "أم الشيف" وحقل "زاكوم" وحقل "جزيرة داس". وتزايد الإنتاج النفطي لإمارة أبوظبي خلال الفترة من 1962 إلى 1977 بمعدل بلغ 48% سنوياً، وكان الجزء الأكبر من ذلك الإنتاج يأتي من الحقول البرية، أما في الفترة من 1990 إلى 2003، فإن إنتاج أبوظبي الكلي كان يأتي من الحقول البرية والبحرية بشكل متساو تقريباً. ويعقد المؤلف فصلاً خاصاً عن الهيكل التنظيمي للصناعة البترولية في أبوظبي؛ خلاصته أن ذلك الهيكل يرتكز على "شركة بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك)، والتي مثل تأسيسها عام 1971، كشركة مملوكة للحكومة، خطوة كبرى في تحرك إمارة أبوظبي نحو ترسيخ السيطرة على صناعتها البترولية. وقد سارعت الشركة إلى القيام بدورها كحلقة وصل بين المؤسسات الحكومية المعنية برسم السياسة البترولية، وبين الشركات العاملة المسؤولة عن تنفيذ المشروعات المصادق عليها، كما عُهِدَ إلى "أدنوك" بتنفيذ جوانب السياسة البترولية لإمارة أبوظبي، وهي تقوم الآن بأنشطة مختلفة ومتنوعة، تغطي تقريباً جميع مراحل الصناعة البترولية، بما فيها استكشاف النفط والغاز، والتطوير، والإنتاج، والمعالجة والتكرير، والتوزيع المحلي للمنتجات المكررة، وتسويق النفط والغاز خارجياً، والمشاركة المكثفة في مجال الخدمات البترولية والمشروعات الصناعية القائمة على النفط والغاز… وذلك مباشرة أو عبر الشركات المتفرعة عنها، وهي شركات "أدكو" و"زادكو" و"أدما العاملة". وحول الإطار القانوني لتطوير المصادر البترولية، يستعرض المؤلفة ثلاثة قوانين وثيقة الصلة بهذا المجال؛ هي قانون أبوظبي لضريبة الدخل لسنة 1965 وتعديلاته، والقانون رقم 8 لسنة 1978 بشأن المحافظة على الثروة البترولية، والقانون رقم 4 لسنة 1976 بشأن ملكية إمارة أبوظبي للغاز الطبيعي. وإلى جانب ذلك، فإن النظام القانوني لتطوير المصادر البترولية يتحدد أيضاً من خلال الاتفاقيات التي أبرمتها أبوظبي مع الشركات البترولية الأجنبية المعنية. وينتقل المؤلف من موضوعات مهمة تتعلق بتسوية المنازعات حول الاتفاقيات البترولية بين الدول المنتجة للنفط وشركات النفط العاملة فيها، واستكشاف العلاقات المتطورة بين حكومة أبوظبي وشركات النفط العالمية، إلى فصل ختامي يتوفر على رؤية لمستقبل صناعة النفط في إمارة أبوظبي، والتي وضعت لنفسها هدفاً بزيادة طاقة إنتاجها الكلية من 2.9 مليون برميل يومياً عام 2006 إلى 3.7 مليون برميل يومياً عام 2010. ويتوقع الكتاب أن تقرر حكومة أبوظبي الاحتفاظ بنموذج "الامتيازات الحديثة"، وذلك لأسباب أهمها أن هذه الصيغة من الاتفاقيات البترولية قد تمت تجربتها على أرض الواقع، وهي مألوفة تماماً من قبل الحكومة والمسؤولين، وإن كان يمكن إدخال بعض التحسينات على جوانب فيها. كما يتوقع المؤلف أن تقرر شركة "أدنوك" دعوة شركات أخرى للتعاون معها في التنقيب أو تطوير أجزاء من المساحات الخمس المشمولة برخص التنقيب الخاصة بها. وفي هذا الخصوص يرى أنه ينبغي الحرص على أن تكون الاتفاقيات البترولية عادلة منذ البداية، وذلك من خلال الاعتراف بالمصالح المشروعة للطرفين وأخذها فعلياً في الحسبان. وأياً كان الأمر، فإن تجربة اكتشاف وضخ وتصدير وإدارة الثروة البترولية في أبوظبي… هي ملحمة كبرى مليئة بالإثارة والتحديات وحافلة بالإنجازات والأحلام والرؤى المستقبلية! محمد ولد المنى الكتاب: التجربة البترولية لإمارة أبوظبي المؤلف: عاطف سليمان الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2008