قبل ثلاثين عاماً، خسرت الحركة المحافظة في الولايات المتحدة الأميركية معركة كبيرة في الطريق إلى الفوز بحربها الأكبر حينئذ. ففي السادس عشر من مارس 1978، وافق مجلس الشيوخ بـ68 صوتاً مقابل 32، على أول معاهدة من المعاهدتين اللتين أعادتا السيادة على قناة بنما إلى بنما. وقد ندد المحافظون بتلك النتيجة، وقالوا إنها تهدد الأمن القومي الأميركي وقد تضع القناة بأيدي الشيوعيين. بيد أن فقدان القناة أفضى إلى انتصارات مهمة بالنسبة لليمين الأميركي؛ حيث وفر نقل السيادة على القناة إلى بنما الإطار لهزيمة خمس سيناتورات عامي 1978 و1980، وهو أمر كان كافياً لمنح رونالد ريغان أغلبية جمهورية عندما وصل إلى البيت الأبيض في 1981؛ حيث كانت تلك الأغلبية ضرورية لنجاحات ريغان التشريعية. لم تكن تلك المرة الأولى التي يوفر فيها نقل السيادة على القناة حبل إنقاذ بالنسبة لريغان. ففي أواخر مارس 1976، كانت حملة ترشحه للانتخابات الرئاسية في حالة مزرية وتعاني الكثير من المشاكل؛ حيث كان قد خسر للتو حملته في الانتخابات التمهيدية في خمس ولايات، وكانت الحملة الانتخابية في حاجة إلى المال إلى درجة أن "نانسي ريغان" بدأت تحث زوجها على الانسحاب، وبدأ مدير حملته "جون سيرز" التفاوض مع معسكر الرئيس "جيرالد فورد" حول انسحاب ريغان! ومع كثرة المشاكل التي كانت تحاصره، خاض ريغان حملة قوية خلال الانتخابات التمهيدية في ولاية نورث كارولاينا، ركز فيها على مشكلة قناة بنما. ومما كان يقوله ريغان في تلك الحملة: "لقد اشتريناها، وبنيناها، ودفعنا ثمنها"، مضيفاً أنه ينبغي أن يقال لبنما: إننا "ننوي الاحتفاظ بها". ركز ريغان على هذه الرسالة خلال جولته الانتخابية، وفي ظهوره على شاشة التلفزيون، حيث بثت خمس عشرة محطة تلفزيونية من أصل محطات الولاية السبع عشرة، خطاباً لمدة نصف ساعة شدد فيه على أهمية القناة. فكان أن فاجأ حملةَ فورد، وأصدقاءه مثل "ويليام إيف. باكلي"، بل هو نفسه تفاجأ بالفوز في ولاية نورث كارولاينا. واصل ريغان حملته مركزاً على الموضوع ذاته في تكساس، حيث فاز بجميع المندوبين، وفي ولايات جنوبية أخرى. غير أن ريغان خسر في نهاية المطاف بهامش ضئيل جداً أمام فورد في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي انعقد في مدينة كنساس سيتي بولاية ميزوري؛ لكنه كان قد فاز بالمقابل بقلوب وتعاطف المؤتمرين، وأصبح المتقدم في السباق للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في 1980. اليوم وبعد ثلاثين عاماً، ومع انسياب الحركة في قناة بنما تحت سيادة بنما، يصعب إعادة وصف المشاعر والانفعالات التي جعلت منها موضوعاً قوياً في عقد السبعينيات. على مدى عقود يقرأ الأطفال كيف أن الولايات المتحدة تمكنت، بعد فشل فرنسا قبلها، من هزيمة الأدغال والأمراض لبناء القناة التي تعد أعظم عمل هندسي في تاريخ العالم؛ ويقرأون عن بطولة وتصميم التدخل العسكري الذي خلق بنما طيعة. ومثلما ورد في نص يعود لسنة 1928: "لقد تفوقت الشجاعة والحظ الأميركيان على كل شيء؛ فتحقق الحلم الكبير، حيث التقت في 1913 مياه المحيطين الأطلسي والهادئ واتحدت". وهكذا فإن فكرة التنازل عن القناة -وهي فكرة فهمها وقبلها "ليندون جونسون"، و"ريتشارد نيكسون"، و"جيرالد فورد"، وتصرف بخصوصها "جيمي كارتر"- بدت خاطئة بالنسبة لأغلبية الأميركيين. فقد كان الناخبون حزينين بسبب الهزيمة في فيتنام ومستائين من تحد بلد صغير أنجبته الولايات المتحدة أو على الأقل ساهمت في ولادته. لم تفلح أشهر من الجهود التي بذلها الرئيس كارتر وإدارته في التأثير على أرقام استطلاعات الرأي التي أظهرت معارضة الأميركيين لنقل السيادة على القناة إلى بنما. وأدرك السيناتورات الذين هُزموا لاحقاً من قبل الجمهوريين المحافظين، الخطر المحدق بهم. "تعاليْ لتريْني أخسَرُ مقعدي!"، كان هذا ما قاله "توماس ماكانتاير"، السيناتور الديمقراطي من ولاية نيوهامبشر، لزوجته "ميرتل" وهو ذاهب إلى مكتبه للتصويت. لم يلحق هذا السجال ضرراً بقناة بنما، بل تركها مزدهرة، لكنه ترك آثاره وندوبه بالمقابل على السياسة الأميركية. فقد طارد اليمين سيناتورات من أمثال "ماكإينتاير" و"فرانك تشورتش"، وهو سيناتور ديمقراطي من ولاية أوهايو، في هجمات تميزت بأسلوب جديد في الحملة الانتخابية: لجان عمل سياسية لا تخضع لأي محاسبة من قبل الناخبين. وكان هذا التكتيك ينذر بهجمات المواضيع التي تستأثر بإثارة الجدل على مواضيع أخرى مختلفة؛ من الإجهاض إلى مراقبة التسلح. اليوم، باتت الهجمات الاستباقية على أعضاءٍ في مجلس الشيوخ، حتى قبل أن ينافسهم أي خصم، من قبيل الهجوم الذي استهدف "تشورتش" وأصابه، أموراً مألوفة وعادية. كما أن جذور الطابع الإيديولوجي للسياسة، تعود أيضاً إلى السجال الذي كان قائماً حول القناة، حيث سعى أعداء المعاهدة إلى معاقبة الجمهوريين المعتدلين أيضاً. وعليه، فإنه يمكن القول إن قناة بنما لم تعد تقسم بنما، لكن الانقسامات التي أحدثت فعلها قبل ثلاثة عقود، ساعدت بالمقابل على تقسيم الولايات المتحدة. آدم كلايمر مراسل سابق لـ"نيويورك تايمز" في واشنطن، مؤلف كتاب منتظر حول قناة بنما ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"