من الخطأ تفسير ما يحدث الآن في الغرب من إساءة للإسلام والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بأنه أمر عارض أو إلى زوال، لأن هذا الأمر يتعلق بإشكالية التراكمات التاريخية والفكرية وثقافة الحروب الصليبية وسياسة الاستعمار... والتي تصور الإسلام على أنه متوحش ومتطرف، وقد أخذ مدىً بعيداً في التاريخ وتحول بفعل الممارسات الاستعمارية الطويلة إلى علم في مناهج الغرب ومراكز أبحاثه، يتعلمه الطلاب والباحثون. وقد زادت من حدته بعض النظريات والأبحاث والدراسات التي وضعها منظرون غربيون ادعوا أن الإسلام هو الخطر القادم على الغرب، وكانت أهمها أطروحة صمويل هانتينجتون حول "صدام الحضارات" والتي خلص فيها إلى أن الصدام الحقيقي سيكون بين الإسلام والغرب عامة، مما جعل اللجان الفنية في حلف "الناتو" تتفرغ لدراسة الظاهرة الإسلامية ومتابعتها، خاصة في أوروبا التي تحولت فيها ظاهرة "الإسلام فوبيا" إلى عداء لكل ما هو إسلامي وتصويره على أنه إرهاب، وحيث أصبحت مظاهر الإساءة للإسلام كثيرة جداً ويصعب حصرها. هذه الظاهرة الخطيرة التي تحاول إلباس الإسلام والمسلمين عباءة العدو الأخضر، حسب المفكر الأميركي "جون اسبيزيتو"، لها أهداف سياسية واستراتيجية وعسكرية وأمنية خطيرة، لكن أخطرها محاولة إرضاء الصهيونية العالمية ودعم أهدافها، حيث حرصت إسرائيل دائماً على إقناع الغرب بقدرتها على مواجهة ودفع الخطر الإسلامي، وذلك بعد ما انتهت صلاحية حجتها السابقة بأنها تقف سداً منيعاً ضد انتشار الشيوعية، وبذلك التقت مصالح إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا في التضخيم والتخويف من "الخطر الإسلامي" وإضفاء الصبغة العالمية عليه. إن خطورة هذه الإشكالية المعقدة التي يعاني منها العقل الغربي، خاصة موقفه من الإسلام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وميله إلى تضخيم حالة الخوف من الإسلام في وعي الشعوب الغربية، قد تدفع الطرف الغربي إلى إشعال فتنة حادة بينه وبين المسلمين، لذلك فإن على هذا العقل أن ينتبه إلى خطورة هذا التوجه الذي تدفعه إليه الصهيونية العالمية وخلفياته التاريخية وبعض المتطرفين وتجار الحروب... وأن يدرك أن حرية التعبير لا يجب أن تبرر إيذاء الآخرين والإساءة لمقدساتهم وعقائدهم ورموزهم الدينية، فمثل هذا التوجه لا يخدم التعايش السلمي بين الطرفين، بل قد يسهم في إيجاد مناخ من الكراهية والعداوات والأحقاد والتوتر... يسيء إلى حالة التواصل والاندماج بين الشعوب والثقافات. إن الإسلام هو الدين الذي ختم الله به الرسالات، هو آخر حلقة في سلسلة اتصال السماء بالأرض، هو الكلمة الأخيرة لله على الأرض، هو الدين العالمي لكل البشر. وإن المسلمين في جميع أنحاء العالم يتمنون أن تصبح علاقتهم بالغرب في غاية الود والإيجابية، لأن حالة العداء لا تخدم أحداً، بل هي خسارة كبيرة للجميع وخطر على السلم والاستقرار العالميين. لذلك فإن موقف الحكومة الهولندية، وأمين عام الأمم المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، والأصوات العاقلة في الغرب... ممن استنكروا جميعاً وأدانوا إنتاج وبث فيلم "فتنة" للبرلماني الهولندي المتطرف "غيرت فيلدرز"، والذي يسيء فيه إلى الإسلام والمسلمين، حيث وصفه رئيس وزراء هولندا بأنه فيلم ليس له من غرض إلا الإهانة... يُعتبَرُ ذلك الموقف خطوة غاية في الأهمية ضد ثقافة الفتنة والكراهية التي أصبحت مساحتها تتسع في العالم، وهي تمثل تهديداً خطيراً للعلاقة بين الأديان والشعوب والحضارات. إن المدخل السليم لوضع حد لمثل هذا التطاول، هو البعد القانوني، وذلك بأن تصبح للمسلمين منظمة مستقلة تختص بالمتابعة القضائية لكل من يقوم بالتطاول على الإسلام والرسول، وبأن تطالب الدول العربية والإسلامية الأمم المتحدة بإصدار قانون واضح يجرم الإساءة للأديان والأنبياء!