مثل الكثير من النشاطات السياسية العربية، يحيط بمؤسسة القمم العربية غموض في طبيعتها ومكوناتها الأساسية وعلاقاتها. وقد تجلَّى ذلك الغموض في المناقشات والمساجلات التي أحاطت بالقمة العربية الأخيرة في دمشق. والمطلوب هو توضيح وتأصيل الأسس والمداخل التي تحكم اجتماعات الرؤساء العرب حتى نتجنَّب المماحكات والمخازي التي أحاطت بالقمَّة الأخيرة. فأولاً، هل اجتماعات القمم العربية هي اجتماعات دول أم اجتماعات أفراد؟ فإذا كان الجواب بأنها اجتماعات دول لاتخاذ قرارات مهمة بشأن قضايا مصيرية واستراتيجيات كبرى، فإن جدول أعمال تلك الاجتماعات هو عبارة عن مواضيع ناقشتها مؤسسات الحكم وتم اتخاذ القرار فيها داخل كل دولة، ووصلت إلى قناعة بشأنها، وذلك قبل انعقاد اجتماع القمة. وفي هذه الحالة فإن حضور من يمثل كل دولة، سواء أكان ملكاً أو رئيساً أو رئيس وزراء أو وزير خارجية أو سفيراً، لن يكون أكثر من إيصال وجهة نظر دولته الوطنية إلى الآخرين من أعضاء مؤسسة القمة. ذلك أن اجتماعات القمّة ليست نقاشاً حول وجهات نظر شخصية لرؤساء دول، وإنٌّما هي نقاش وأخذ وعطاء ووصول إلى وجهات نظر مشتركة بين دول. من هنا فإن حضور أو عدم حضور هذا القائد أو ذاك لهذه القمة أو تلك، هو أمر بروتوكولي بحت ومسألة ذوق في العلاقات العامة. فالمهم ليس حضور هذا الشخص أو عدم حضوره، لكن المهم هو موقف هذه الدولة أو تلك من القضايا المطروحة. إن التركيز على الدول وعلى مواقفها الفاعلة في الحياة السياسية العربية المشتركة أهمٌّ بكثير من التركيز على الجانب الرمزي البحت. إن الثقافة السياسية التي تبتعد عن المماثلة بين الدولة وبين رأس الدولة هي المطلوبة وهي التي ستبعدنا عن الصبيانيات التي رأيناها وسمعناها في الأيام القليلة الماضية. وثانياً، فإنه آن أوان التوقٌف عن الاعتقاد بأن المناقشات التي تدور في اجتماعات القمَّة تكون أكثر جديَّة وأفضل مستوى بحضور رؤساء الدول. فالتجارب تثبت العكس، إذ أن حضور وزير أو سفير مثقَّف وملتزم بالقضايا القومية المشتركة وصاحب ضمير ومالك قدرة على النقاش العميق والأخذ والعطاء، هو أفضل لوصول مؤتمرات القمة إلى قرارات جادّة من حضور رئيس متواضع في إمكانياته الفكرية أو غير عابئ بالقضايا العربية المشتركة أو خائف من هذه الجهة الدولية أو تلك. مثل هكذا رئيس يعرقل أعمال القمم وقد يساهم بقصد أو بغير قصد في إفشالها. إن الثقافة السياسية المطلوبة هي التي تفسح وتزيل الهالة المتخيلة التي تحاط بها الرئاسة الرسمية العربية. عند ذاك سيتحسَّر الناس على عدم حضور هذا الرئيس القادر الفاعل وسيفرحون بغياب ذاك الرئيس العاجز. وثالثاً، من الضروري أن لا ترتبط اجتماعات القمًّة، بل أية اجتماعات تحت مظلَّة الجامعة العربية ، بعوامل خارج ذاتها. فلا الخلافات حول الأحداث في أيًّ بقعة عربية ولا مواقف الدولة العربية التي ستنعقد فيها القمَّة، ولا الملاسنات بين رؤساء أو حكومات الدول العربية، ولا رضا أو عدم رضا تلك الدولة الأجنبية أو ذاك الرئيس الأجنبي غير المهذَّب... يجب أن تدخل كعوامل في انعقاد أو عدم انعقادها. إن كل تلك العوامل الخارجية وكل ذلك اللَّغو المحيط بها، يجب أن لا يعرقل الاجتماعات بأي حال من الأحوال. ورابعاً، هناك حاجة لأن تنقسم اجتماعات القمًّة إلى نصفين. النٍّصف الأول يخصَّص لبحث الأمور السياسية والأمنية التي تحيط بحاضر الأمة. أما النِّصف الثاني فيخصَص لمناقشة موضوع استراتيجي في حقول التربية والصحة والاقتصاد والتأثيرات العلمية -التكنولوجية الكبرى والبنيات الأساسية العربية المشتركة... إلخ. إن مؤسسة القمة العربية بحاجة إلى وضع أسس نظرية وتنظيمية واضحة تحكم اجتماعاتها المستقبلية، وتخرجها من البلادات التي تنفجر في وجهها قبل كل اجتماع، وتجعلها ضمن مؤسسات الجامعة العربية وليست متعالية فوقها وفوق الأمة. د. علي محمد فخرو