مرة أخرى تتصدر قضية الصناديق السيادية اهتمامات بلدان العالم ومؤسساته الاقتصادية، حيث يرى البعض أن القدرات المالية الهائلة التي تملكها هذه الصناديق بمثابة طوق النجاة للنظام المالي والمصرفي العالمي المهدد بالكساد بسبب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، والتي وجدت صدى لها في بقية بلدان العالم. لقد تضاعفت القدرات المالية والاستثمارية لهذه الصناديق خلال السنوات القليلة الماضية لترتفع من 500 مليار دولار في عام 1995 إلى 2500 مليار في العام الماضي 2007، ويتوقع أن تصل إلى 12 ألف مليار (12 تريليون دولار) بحلول عام 2015، في حين تبلغ حصة الصناديق السيادية الخليجية 50% تقريباً مع مجموع أصول هذه الصناديق. هل صحيح أن الصناديق السيادية -ومعظمها تابع للبلدان المنتجة للنفط- تستطيع وحدها حل أزمة الأسواق المالية العالمية، ومنع كساد الاقتصاد العالمي؟ أم أن الأمر يفوق طاقة هذه الصناديق، وذلك بسبب ارتباط الأزمة الحالية بهيكلية الاقتصادات المتطورة في الغرب، وبارتفاع تكاليف الحروب الخارجية التي تجاوزت 12 مليار دولار شهرياً في العراق وحده. قبل البحث عن حلول للأزمة الراهنة، لابد من معرفة وتشخيص الأسباب التي أدت إلى نشوئها، وهي عديدة ومتشعبة، إلا أن أحد أهم أسبابها يكمن في المصاعب الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد الأميركي تحديداً، والتي كان للحرب على العراق دور رئيسي فيها، كما أن السعي المحموم للمؤسسات المالية لتعظيم أرباحها دفعها للمبالغة في الرهونات العقارية دون ضمانات قوية، مما انعكس سلباً على الأوضاع المالية والنقدية في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام. تزامن ذلك مع ارتفاع أسعار السلع، وبالأخص النفط وما نجم عنه من تدهور في قيمة الدولار وارتفاع في معدلات التضخم في العالم أوجدت حالة من الفزع في البلدان الفقيرة التي لم تتمكن حتى الآن من التعامل مع الزيادات الكبيرة في الأسعار في الأسواق العالمية، وبالتالي تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان في هذه البلدان. إذاً الأزمة الحالية هي أكبر من قضية الصناديق السيادية، التي حاول البعض منها المساهمة في حل أزمة الرهن العقاري من خلال شراء أصول مهمة في بعض المصارف والمؤسسات المالية العالمية التي تأثرت بشدة من جراء الأزمة، وقامت بشطب خسائر بمليارات الدولارات. والحقيقة أن جهود الصناديق السيادية وحدها لا تكفي، فالأزمة الحالية أعمق من ذلك بكثير، إلا أن دول الغرب تبحث للأسف عن الحلول السهلة، حيث انضمت أوروبا للولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي للمطالبة بإيجاد توافق حول عمل الصناديق السيادية في العالم، والبالغ عددها 40 صندوقاً في الوقت الحاضر، إذ يتوقع أن يرتفع عددها إلى 50 صندوقاً في عام 2015. ومع أن التوافق مطلوب، إلا أن الصناديق السيادية لا تتبع البلدان النامية المنتجة للنفط وحدها، كما هو الحال في السابق، بل لقد دخلت على هذا الخط صناديق سيادية لبلدان كبيرة ومؤثرة ولها تطلعات استراتيجية، كالصين وروسيا على سبيل المثال، مما أدى إلى تعقيد قضية الصناديق السيادية واستثماراتها المتعددة بصورة كبيرة. إن البلدان النامية لا يوجد بينها وبين البلدان الغربية التي تمر بأزمة الرهن العقاري تنافس على النفوذ السياسي، بل إن هناك تبادلاً للمصالح، أما في حالات الصين وروسيا، فإن الأمر يختلف تماماً، فبالإضافة للنفوذ، هناك التكنولوجيا المتطورة ومصادر المعلومات والإعلام، التي يمكن الاستحواذ عليها من خلال الصناديق السيادية التابعة للبلدان الكبيرة، وهو ما تدرجه البلدان الغربية ضمن مصالح الأمن القومي. لتجنب المزيد من المشاكل والنزاعات التجارية والاقتصادية، ربما تصبح مسألة التوافق على عمل الصناديق السيادية أمراً مهماً لاستقرار الاقتصاد العالمي، وخصوصاً أن بلدان أوروبا والولايات المتحدة تعتبر المراكز الرئيسية لأنشطة الصناديق السيادية وذلك بحكم قدرة اقتصاداتها على استيعاب الاستثمارات الهائلة لهذه الصناديق. ومن هنا تكتسب مسألة التوافق أهمية خاصة للطرفين ولاستقرار الاقتصاد العالمي ككل، إلا أن ذلك التوجه يختلف تماماً عن تلك التوجهات الرامية إلى تصدير أزمة الرهن العقاري وتحميل تبعاتها للصناديق السيادية، حيث لا يمكن لمثل هذا التوجه إلا أن يزيد الأزمة تعقيداً. والواقع أن البلدان النامية أعربت عن استعدادها للتعاون حول إيجاد توافق لعمل الصناديق السيادية مع البلدان الغربية، وذلك ضمن تبادل المصالح بين الطرفين، وفيما عدا ذلك، فإن على الولايات المتحدة والبلدان الغربية البحث عن حلول إضافية للخروج من أزمة الرهن العقاري التي تهدد استقرار النظام المالي العالمي ومكوناته الأساسية.