لا شيء يربط بين "قمة دمشق" العربية التي اختتمت أعمالها الأحد الماضي و"قمة سوتشي" بين بوش وبوتين التي تعقد الأحد القادم إلا الطبيعة السياسية للقمتين، وهذا هو ما دفعني إلى عقد مقارنة بين هذين اللقاءين في كيفية إدارة العلاقات الدولية وكيفية التعاطي مع الخلافات في دولنا العربية من ناحية، وفي بقية دول العالم من ناحية ثانية. في دولنا العربية، وكما بدا واضحاً من السجالات التي سبقت قمة دمشق، هناك قدر هائل من "شخصنة" الخلافات والخلط بين مصالح الدول والشعوب من ناحية ومصالح الأفراد من ناحية ثانية، فلم يكن هناك إجماع بين الدول العربية على أن مصالحها الاستراتيجية متفقة مع بعضها. ولقاء الأحد القادم بين الرئيس الأميركي بوش والرئيس الروسي بوتين في سوتشي بروسيا، أعاد الحياة إلى المناقشات والتحليلات والمقارنات حول طبيعة إدارة العلاقات العربية العربية وتأثير الخلافات على حضور القمم العربية، مقابل سعي القادة غير العرب نحو محاولة استغلال كل الفرص لإزالة "الجدار" لتقريب وجهات النظر المختلفة. العرب، رغم أن ما يقربهم أكثر مما يفرقهم، إلا أن مجرد الاختلاف في وجهات النظر في قضايا معينة تكون نتيجته مقاطعة القمة وعدم حضورها باعتبار ذلك نوعاً من العقاب ضد الدولة المضيفة، إن كانت هي الدولة التي تستضيف القمة أو عدم حضور قائد عربي لقمة لأنه على خلاف مع زعيم عربي آخر، هذا الأمر أدى إلى كثير من المشاكل والانقسامات العربية، وهذا ما يتوقع أن تحدثه إفرازات "قمة دمشق". الكثيرون يرون أن الانقسام العربي لن يقود إلى تراجع سوريا عن مواقفها السياسية محل الخلاف، كما يعتقد من قاطع القمة، بل ستؤدي إلى تعنت سوري أكبر كما هي تصرح وتهدد الآن وربما يؤدي الأمر إلى تعميق الخلاف. لم تطغ الاختلافات في وجهات النظر حول المسائل المتعلقة بمنظومة الدفاع المضاد للصواريخ وتنفيذ معاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية وكذلك الخلاف على العديد من القضايا الاستراتيجية سواء في كوسوفو أو إيران على التقاء الرئيسين الأميركي والروسي، بل سنراه يستقبله لمناقشة الخلافات المعروفة لدى الناس وقد يصل الأمر بهم إلى أن يشتم أحدهم الآخر. وأظن أن الاختلافات بين الدول يجب أن تكون أمراً عادياً، فرغم أن الأمر لا بد أن يكون طبيعياً بين دول تنتمي إلى منظمة واحدة باعتبار أن لكل دولة موقفها ورؤيتها التي تختلف عن باقي الأعضاء نتيجة لاختلاف المصالح وأن الاجتماع أو اللقاء عادة من أجل تقريب وجهات النظر وليس زيادة الفرقة، حتى وإن حدثت. الخلافات لا تحل "بالزعل" والانقطاع بل كل الخلافات تحل بالتواصل والاجتماع والتقاء المختلفين. علينا أن نتذكر أنه منذ عودة روسيا الى الساحة السياسية، بعد أن استلم بوتين الرئاسة منذ ثماني سنوات، وهناك اختلافات وتناقضات استراتيجية عميقة مع إدارة الرئيس بوش تتعدى مسألة الاختلاف في وجهات النظر، ومع ذلك فإن الأمر لم يمنع بوش وبوتين من الالتقاء والمناقشة وتطوير العمل المشترك بينهما بل إن الدولتين قطعتا شوطاً كبيراً في العديد من القضايا محل الخلاف، كقضية البرنامج النووي الإيراني، بل إن الأمر وصل في بعض قضايا الخلاف الكامل إلى ما يمكن أن نقول "الاتفاق السياسي" وهذا حصل مع كوريا الشمالية؛ فالغضب و"الزعل" لم يؤثرا عليهما سلباً مثلما هو الأمر الذي حصل للدول العربية في "قمة دمشق" التي بلا شك، مهما قيل عن نجاحها، فهي خرجت عاجزة وفاشلة عن أي إمكانية في تحقيق تقدم أو نجاح يذكر في القضايا العربية، لبنان، فلسطين، العراق وغيرها. "قمة سوتشي" تلفت إلى أنه مهما كانت حدة الجدل والانقسام بين العرب لا بد أن يكون هناك مجال للتلاقي؛ لأنه من غير المناسب أن يطغى الغضب على رؤية المصالح السياسية بل من المهم استغلال كل الفرص المتاحة لإزالة "الجدار" الذي يفصل بينهم لأن البديل سيكون هو الأسوأ والأكثر خطورة فلا حل يمكن أن يحدث وكلٌ في جانب عن الآخر.