ناقش مؤتمر "الخليج العربي بين المحافظة والتغيير" الذي يعقده "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" في الفترة بين 31 مارس و2 إبريل الحالي، في إطار فعالياته لليوم الثاني، أمس الثلاثاء، العديد من القضايا الاقتصادية المهمّة المتعلّقة بالاقتصاديات الوطنية لدول الخليج العربية وتأثيرات العولمة على هذه الاقتصاديات. وفي هذا السياق طرحت العديد من الأفكار الخاصة بتطوير أوضاع تلك الاقتصاديات والآليات المقترحة لتعاطيها مع موجة "العولمة" من أجل تعظيم الفرص التي يتيحها الاندماج في الاقتصاد "المتعولم"، وتقليل التحديات الناجمة عن هذا الاندماج. كما تطرّق المؤتمر إلى انعكاسات هذه التطورات على الأوضاع الاجتماعية، وهذه قضية شديدة الحيوية. فقد شهدت دول الخليج العربية طفرة كبيرة على صعيد عملية التنمية الاقتصادية بفعل ما شهدته أسعار النفط من ارتفاعات قياسية، الأمر الذي فتح آفاقاً واسعة للنمو الاقتصادي، وبالفعل فإن معدّل هذا النمو وصل إلى ما يقرب من 6% سنوياً. كما شهد القطاع الخاص تطورات غير مسبوقة بفعل الاستثمارات المحلية والخارجية، على النحو الذي جعل منه شريكاً أساسياً في عملية التنمية. وفي سياق متصل، فإنه وبفعل هذه التحوّلات الاقتصادية، فإن الدول الخليجية انخرطت في عملية تنويع اقتصادي عن طريق تطوير قطاعات غير نفطية، بقصد تقليل الاعتماد على القطاع النفطي، وشرعت في الوقت نفسه في اتخاذ حزمة من الإصلاحات المؤسسية بقصد التكيّف مع التأثيرات التي نجمت عن التطورات التي شهدها الميدان الاقتصادي. وعلى الرغم من هذه التطورات الجذرية التي شهدتها الأوضاع الاقتصادية، وما أفرزته من انعكاسات كبيرة على الأوضاع الاجتماعية، وعلى الرغم ممّا اتُّخذ من خطوات على صعيد إعادة تكييف الأوضاع المؤسسية مع التغيّرات المستحدثة اقتصادياً، فإن طبيعة العلاقة بين الدول الخليجية ومجتمعاتها ظلت دون تغيير جوهري، حيث ظلت الدولة ملتزمة ببنود العقد غير المعلن الذي صِيغ في عقود سابقة بينها والمجتمع، وبموجبه تقدّم الدولة لمواطنيها وظائف حكومية بأجور عالية، ومنافع مفتوحة للضمان الاجتماعي، ومرافق خدمية مجانية في معظمها. ولا شك في أن هذا الوضع ينبغي تطويره، ليس لجهة تقليص الدور الاجتماعي للدولة، ذلك أن الدول في أعتى الرأسماليات لها دور اجتماعي قوي، وإنما لجهة المزيد من الإصلاحات البنيوية والمؤسسية التي تحسّن كفاءة أداء مؤسسات القطاع العام عبر تعزيز آليات الرقابة والمحاسبية والشفافية في هذه المؤسسات. وإذا كانت للطفرة التنموية الهائلة التي شهدتها الدول الخليجية انعكاساتها الإيجابية العديدة، فإن هذه الطفرة أفرزت في المقابل تحدّيات ينبغي التعاطي معها بكلّ جدّية، ولعلّ إشكالية العمالة الوافدة تأتي في مقدمة هذه التحدّيات، ذلك أنه في ضوء ضيق القاعدة السكانية لدول الخليج العربية، والنقص الكبير في العمالة المواطنة، كان الاعتماد على العمالة الوافدة التي تشكّل ما بين 60 و70% من إجمالي القوى العاملة بمنطقة الخليج. ورغم أن هذه العمالة أسهمت بشكل فعّال في هذه الطفرة التنموية، فإنها أفرزت تحدّيات حالية وأخرى مستقبلية، ومن هذه وتلك التأثير السلبي في الهوية العربية لهذه الدول، بسبب أن النسبة الكبرى من هذه العمالة ليست عربية. وإضافة إلى ذلك، فإن هناك مخاوف بخصوص مسألة التجنيس أو الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان. ولا شك أن النخب الحاكمة بدول الخليج، والتي وظّفت الفرص التي أتاحتها "العولمة الاقتصادية" لمصلحة تحقيق معدلات نمو عالية، تدرك المخاطر التي تواجه دولها في ظل طغيان هذه "العولمة"، وثمة خطوات عديدة تم اتخاذها لتفادي هذه المخاطر. وفي ظل استمرار تحدّيات "العولمة"، فإن المأمول هو مواصلة اتخاذ مزيد من الخطوات الهادفة إلى مواجهة هذه التحدّيات.