تبدأ اليوم وعلى مدى ثلاثة أيام فعاليات المؤتمر السنوي الثالث عشر لـ "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" - "الخليج العربي بين المحافظة والتغيير"، الذي يعقد تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المركز. وينطوي موضوع المؤتمر على أهمية كبيرة بالنظر إلى أن جدليّة العلاقة بين المحافظة والتغيير تطرح نفسها بقوة في منطقة الخليج العربي ربما بصورة أكبر مما هي عليه في مناطق عربية أخرى في ظل عمليات التحديث المتسارعة التي تشهدها المنطقة والتأثيرات التي تحدثها في المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاجتماعية. ولعلّ من أهم التساؤلات التي تطرح نفسها وتثير الكثير من الجدل والخلاف، في هذا السياق هي: هل المحافظة ضد التغيير أم أنهما يمكن أن يتلازما دون مشكلات؟ هل يمكن الاندماج في العولمة والانفتاح على العالم والأخذ بمنطق العصر وفي الوقت نفسه المحافظة على الخصوصيات الثقافية والحضارية والدينية؟ ما هي العلاقة بين المحافظة والتنمية؟ أين موقع الدين في إطار التنمية الخليجية؟ وهذا السؤال الأخير يطرحه المؤتمر بشكل مباشر في جلسته الختامية التي يأتي عنوانها: هل العلمنة شرط لتحقيق الحداثة أم من الممكن تحقيق الحداثة دون تغييب الدين؟ هذه التساؤلات وغيرها التي يطرحها موضوع المؤتمر تتصل اتصالاً مباشراً بقضيتين وجوديتين على الساحة الخليجية، هما: الهوية والتنمية، لأن الإجابة عنها ترسم ملامح هويتنا الثقافية والحضارية والسياسية من ناحية، وتُصيغ نموذج التنمية في مفهومها الشامل من ناحية أخرى. ولا شكّ في أن هاتين القضيتين، الهوية والتنمية، تقعان في قلب السجال الفكري في المنطقة العربية بشكل عام والخليجية على وجه الخصوص، وتثيران كثيراً من الخلاف والتباين بل والصراع أيضاً. فهناك من يرى أن ثقافتنا ولغتنا وتراثنا وعاداتنا، هي معوّقات أمام ولوج عصر العولمة والانفتاح على الحداثة، وأن الإصرار على التمسّك بالخصوصيات هو عودة إلى الوراء، ولكن هناك من يدافع عن إمكانية التوفيق بين الأخذ بأساليب وتكنولوجيا ولغة العصر والحفاظ على الهوية واللغة والتراث والدين من منطلق أن التحديث لا يعرف نموذجاً واحداً أو طريقاً وحيداً وإنما نماذج وطرقاً مختلفة، وأن المحافظة لا تنطوي على معنى سلبي أو ارتدادي ولا تقف على الجانب المعاكس للتغيير، فهناك دول كثيرة في العالم أصبحت في مصافّ الدول المتقدّمة دون أن تضطر إلى التخلّي عن هويتها الحضارية وتتميّز مجتمعاتها بالمحافظة من الناحية الاجتماعية مثل اليابان. هذا الجدل يضفي على الموضوع حيوية كبيرة، ويؤكد أن اختياره من قبل "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" ليكون محلّ اهتمام مؤتمره السنوي، كان اختياراً موفقاً من حيث المضمون والتوقيت. ولعلّ ما يزيد من أهمية المؤتمر أنه لا يتناول قضية العلاقة بين المحافظة والتغيير في الخليج العربي من زاوية واحدة، وإنما من زوايا عديدة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بحيث يمكن الخروج من خلال مناقشات المؤتمر والأوراق البحثية التي ستقدّم فيه برؤية شاملة تتجاوز المعالجات الجزئية للقضية التي ميزت الاقتراب منها على الساحة العربية بشكل عام خلال السنوات الماضية. سؤال العلاقة بين المحافظة والتغيير، هو أحد أهم وأبرز أسئلة النهضة التي يجب أن يتم طرحها بقوة على الساحة العربية والخليجية، والعمل على إيجاد إجابات شافية له، على الرغم من الحساسيات الكبيرة والتعقيدات الشديدة التي ينطوي عليها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.