شهدت الساعة الثامنة من مساء يوم السبت الماضي، احتفال مئات المدن حول العالم، بما أصبح يعرف بساعة الأرض (Earth Hour). ففي هذا الوقت، وحسب التوقيت المحلي لكل مدينة، تم إطفاء الأنوار لمدة ساعة واحدة، في الشوارع وداخل وخارج الكثير من المباني المهمة، والمواقع السياحية المشهورة. وتمتد قائمة المدن المشاركة لتبدأ من الشرق بـ"سيدني" في أستراليا، وحتى "شيكاغو" في الغرب، مروراً بالعديد من المدن الأخرى مثل بانكوك، وتورنتو، ولندن. وفي دبي، التي تعتبر أول مدينة عربية تشارك في هذه الاحتفالات، وفي الساعة الثامنة حسب التوقيت المحلي للدولة، تم إطفاء الأضواء الخارجية المسلطة على فندق برج العرب، بالإضافة إلى الأضواء المستخدمة في النافورة النارية، وتم خفض الإنارة على الشوارع الداخلية في ست عشرة منطقة سكنية. وهو ما اعتبر إشارة البدء لموكب شارك فيه أكثر من 5 آلاف شخص، انطلق من أمام فندق برج العرب بدبي، ثم تقدم لمسافة كيلومترين على الطريق الساحلي حتى حديقة شاطئ جميرا، قبل العودة إلى نقطة البداية. وفي "سيدني"، تم إطفاء الأضواء المسلطة على دار الأوبرا، وجسر الميناء، وهما من أشهر علامات المدينة على الإطلاق. وحتى "جوجل"، محرك البحث الشهير، شارك في الاحتفالات باستخدام صفحات ذات خلفية سوداء على موقعه على الشبكة العنكبوتية. ويسعى منظمو هذه الاحتفالات، إلى إظهار مدى اهتمام المجتمعات المختلفة، وعامة الناس خصوصاً، بقضية التغير المناخي، بهدف توليد ضغط على الساسة والحكومات لاتخاذ الخطوات الكفيلة بخفض انبعاث الكربون، ودرء مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري. ولكن في ظل كون مشاركة ملايين الأشخاص من مواطني "سيدني" العام الماضي، قد نتج عنها خفض بمقدار 10% فقط في استهلاك الطاقة، ولمدة ساعة واحدة، يرى الكثيرون أن هذه الجهود لا تزيد عن كونها محاولات، لن تجدي نفعاً. ففي رأي هؤلاء، أن أية محاولات جادة لخفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، لابد وأن تعتمد على مصادر الطاقة البديلة (Alternative Energy)، أو بالتحديد الطاقة المستدامة (Renewable Energy). وعلى رغم أن هذين التعريفين يستخدمان من قبل الكثيرين لتحقيق نفس المعنى، إلا أن البعض يرى أن الطاقة البديلة تشمل جميع ما هو بديل للطاقة الأحفورية المستخرجة من النفط والفحم، وبغض النظر عما إذا كانت ذات تأثير سلبي على البيئة أم لا. بينما يشير مصطلح الطاقة المستدامة إلى أنواع الطاقة الصديقة للبيئة، والمستمدة من القوى البيئية الفيزيائية. وبنظرة سريعة إلى حجم الاستهلاك العالمي من الطاقة، والبالغ حالياً أكثر من خمسة عشر تريليون واط سنوياً، يمكننا أن ندرك بسهولة عدم إمكانية استمرار الوضع الحالي كما هو عليه، أو استدامته، بسبب أن مصادر الطاقة الأحفورية مهما عظمت، هي في النهاية مصادر محدودة ستفنى يوماً ما. وبما أن 87% من الاستهلاك العالمي من الطاقة حالياً، يستخلص من مصادر أحفورية، تنتج عن استخدامها كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، تصبح أيضاً أية محاولات لمكافحة ظاهرة الدفء العالمي أو الاحتباس الحراري، من دون خفض الاعتماد البشري الحالي على مصادر الطاقة الأحفورية، مجرد محاولات عبثية في النهاية. وهو ما يعني أن مصادر الطاقة البديلة ليست مجرد خيار لمكافحة التغيرات المناخية المتوقعة، بل هي أيضاً قدر محتوم لا مفر منه، عندما يأتي اليوم الذي تنضب فيه المصادر الأحفورية للطاقة. وتعتمد الطاقة المستدامة في أساسها على قوى الطبيعة الدائمة، مثل أشعة الشمس، وطاقة الرياح، والأمطار، وقوى المد والجزر، وحرارة باطن الأرض، وهي جميعها مصادر يتم تجديدها بشكل تلقائي. وعلى رغم الأهمية المستقبلية الفائقة لمصادر الطاقة المستدامة، وسعي العلماء منذ عقود لترويض قواها، لا زال الجنس البشري يعتمد عليها في 18% فقط من احتياجاته للطاقة. وحتى هذه النسبة، يتم الحصول على جزء كبير منها -13% بالتحديد- من حرق الكتل الحيوية التقليدية (Biomass)، مثل حرق الأخشاب، والقش، وروث الحيوانات، لأغراض التدفئة والطهي. وبخلاف الكتل الحيوية، تعتبر الطاقة المائية (Hydropower) هي أهم مصادر الطاقة المستدامة اليوم، حيث توفر حالياً 3% من الاحتياجات البشرية للطاقة. بينما تظل التقنيات الحديثة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، غير قادرة على طرح نفسها كبديل فعلي، حيث تساهم حالياً بأقل من واحد في المئة من الاستهلاك العالمي للطاقة، على رغم أن الاحتمالات النظرية لاستخداماتها تفوق جميع المصادر الأخرى. وهو ما يجرنا للحقيقة الثابتة بأن العالم يعاني حالياً من أزمة طاقة حادة، لا يتوقع لتقنيات الطاقة البديلة اليوم أن تخفف منها، مع التوقع بزيادة حدة هذه الأزمة بسبب التزايد المستمر في عدد أفراد الجنس البشري، وزيادة نصيب الفرد الواحد من استهلاك الطاقة. وهو ربما ما يجعل خيار الطاقة النووية يبدو جذاباً مرة أخرى، بعد أن فقد خلال العقود الماضية كثيراً من جاذبيته، بسبب مشكلة التخلص من النفايات النووية، وارتفاع تكلفة الاستثمار الأولي، والذي يقدر بالمليارات للمحطة الواحدة، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة باستخدام هذه المفاعلات لبناء أسلحة ذرية. ولكن في ظل تخطي سعر برميل النفط لحاجز المئة دولار، وتواتر بعض التوقعات عن احتمال بلوغه مائتين، وربما ثلاثمائة دولار عما قريب، ربما تصبح الطاقة النووية هي الخيار الوحيد العملي، والقادر على سد احتياجات الدول والشعوب من الطاقة، بما في ذلك الدول المصدرة للنفط حالياً. د. أكمل عبد الحكيم