قضايا البيئة لم تعد محصورة في مجتمع دون غيره أو قاصرة على دولة دون غيرها، وإنما هي الآن قضايا تمس حياة كل من يعيش على كوكب الأرض، لذا فإن أي جهد يبذل للحفاظ على سلامة كوكب الأرض لا بد أن يستند إلى شمولية تعتمد على العمل الجماعي، والذي يجب أن تشارك فيه كل الدول والمجتمعات. ومن هذا المنطلق وُلد مفهوم بيئي متميز تتبلور فكرته في جعل كل من يعيش على سطح الأرض يقف ويشارك في حماية الكوكب. تهدف هذه الفكرة إلى جعل قضية الأرض قضية ذات أبعاد عالمية، وليست مجرد نشاطات محصورة في بضعة مجتمعات أو منظمات صغيرة. ومن أجل الأرض ولدت فكرة "ساعة الأرض"، والتي تتمحور فكرتها بإطفاء كل الأضواء والأجهزة الكهربائية غير الضرورية لمدة ساعة واحدة فقط حددت لتكون ساعة مشتركة في جميع دول العالم في يوم معين من السنة. وقد وزعت هذه الساعة لهذه السنة على 14 منطقة زمنية على مستوى العالم. وحددت منطقتنا الزمنية لتكون في الساعة الثامنة من مساء يوم السبت 29 مارس الحالي بتوقيت دولة الإمارات. وكما هو معروف بأن ساعة الأرض الأولى أطلقت في العام الماضي بمدينة سيدني الأسترالية بتاريخ 31 مارس 2007، وشارك فيها ما يربو على 2.2 مليون شخص، حيث حققت تلك الساعة نجاحاً ملموسا وساهمت في تقليل استهلاك الطاقة بمدينة سيدني بنسبة 10%، وهو ما يعادل توقف 48 ألف سيارة عن السير في الطرق لمدة ساعة. إن الهدف من هذه الحملة الضخمة، هو جذب انتباه العالم وإبراز مدى خطورة الاحتباس الحراري وعلاقته المباشرة بتغيرات المناخ على كوكب الأرض. بات واضحاً أن قضية الاحتباس الحراري أخذت قسطاً كبيراً من اهتمام حكومات دول العالم، وأصبحت إحدى أهم المشكلات البيئية الملحة التي بدأت تأخذ أبعاداً بيئية واجتماعية واقتصادية خطيرة. وقد خُصص موقع إلكتروني باسم ساعة الأرض: (www.earthhour.org) لتشجيع المشاركين، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات، على التسجيل ليكونوا أعضاء في هذا الحدث العالمي. وقد يتبادر إلى الأذهان سؤال، هل ستحقق هذه الساعة الهدف منها؟ وهل إطفاء المكيفات والسيارات والأجهزة المنزلية لمدة ساعة واحدة في السنة سيحقق أي تأثير؟ إن حملة "ساعة الأرض" حققت نجاحاً ملموساً قبل أن تبدأ كفعالية، وذلك لأن تأثيرها التوعوي قد تحقق فعلاً. فكثير من الأشخاص على مستوى العالم أدركوا أهمية الموضوع وآمنوا بفكرته ومدى احتياج كوكب الأرض لجهودهم كأفراد. فتنازل أي شخص عن ساعة واحدة من يومه ليس بالشيء الصعب لأن كوكبه يستحق أكثر من مجرد ساعة، وهذا أقل القليل الذي يمكن لأي فرد أن يقدمه لأرضه التي يعيش عليها. ناقوس الخطر جعل الاهتمام بهذه الحملة يزداد على مستوى العالم، وأعلنت مدن كبرى مشاركتها في الحملة كمدن شيكاغو ومانيلا وبانكوك ودبلن وأتلانتا وتورنتو وملبورن وسان فرانسيسكو وغيرها. وفي مبادرة جميلة انضمت مؤخراً مدينة دبي لتكون أول مدينة عربية تشارك في هذه الحملة. ومن المتوقع أن يبلغ عدد المشاركين في الحملة أكثر من 30 مليون شخص يمثلون أكثر من 25 دولة من مختلف أنحاء العالم. وجميع هذه المدن تسعى لمكافحة الاحتباس الحراري والحد من تقلبات المناخ بانضمامها إلى الحملة العالمية "ساعة الأرض". ولكن قد يتساءل البعض لماذا هذه المدن الكبرى بالذات التي شاركت بحملة ساعة الأرض؟ فمشاركة أغلب هذه المدن بعينها في الحملة تأتي لأنها أكبر المدن الاقتصادية على مستوى العالم، وهو ما يجعل لمشاركتها صدى إيجابي لتوعية العالم بخطورة الاحتباس الحراري، الناجم عن انبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، ناهيك عن أن بعضها يساهم بنسبة كبيرة في تلويث الأرض. وكما هو معروف فإن النمو الاقتصادي القوي يفضي إلى تزايد في استخدام الطاقة بأنواعها المختلفة، مما يجعلنا نقترح إلزامها بأكثر من ساعة واحدة للأرض جزاءً وفاقا! إن كوكبنا لا تكفيه "ساعة أرض" واحدة فقط في كل سنة، فلماذا لا تكون ساعة واحدة كل شهر مثلاً؟ فهل من الصعب تحقيق الساعة هذه في كل شهر، أم أن خسائر هذه المدن الاقتصادية تحول بين تحقيق الهدف النبيل من الحملة؟ نريد لساعة الأرض أن تكون ساعة مبادرة وبداية لساعات أرض أكثر، فكوكبنا يستحق ذلك. د. محمد سلمان الحمادي جامعة الإمارات العربية المتحدة