كلما اقتربت ساعة القمة كثر النقاش حول نتائجها المعروفة سلفاً، وكأن القمة يفترض أن تكون المعجزة لحل إشكاليات الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وهو أمر لا يمكن الجزم به لاختلاف طبيعة المشكلات التي تفور بها المجتمعات العربية مع أنظمتها وطرق إدارة شؤونها الداخلية والخارجية سواء مع بعضها بعضاً أو مع غيرها من الجيران والأصدقاء. من الواضح أن آلية القمة كلقاء أو اجتماع يعقد بصفة دورية أو طارئة، لم تستطع منذ البداية تقديم الحلول الجاهزة أو السحرية لأي قضية طافية على سطح مبنى السياسة العربية واضحة ومعقدة في آن كـ"فلسطين"، أو القضايا المغمورة بشكل عام ولكنها تطل برأسها ما بين سطور الدبلوماسية الفاترة بين بعض الدول في فترات متقاربة أو متباعدة أحياناً. البعض يريد في عشية القمة حلاً لمشاكل الأمة العربية قبل انفضاض القادة من حول المائدة المستديرة أو المربعة، دون العودة إلى المربع الأول أو الوقوف عند صفر الدائرة ولو لمرة واحدة من عمر القمم العربية. نقر بأن الأمة العربية تمر بمرحلة أكثر من صعبة، لذا فإن البحث عن مخارج مناسبة للطريق العام الذي يمر في منتصف القضايا الشائكة للمجتمعات العربية في غاية الأهمية، وإطلاق الأحكام القطعية لدى البعض المتشائم إلى أبعد الحدود لن يأتي بالنتائج المرجوة على مستوى عرب القمة فقط، بل في أي مؤتمر آخر يتم تباحث القضايا الجزئية أو الكلية في ثناياه. على مستوى الفكر المجرد، فقد أعلن البعض عن عدم جدوى أي مشروع عربي تم استنساخه من الغرب المستعمر سابقاً أو المعولم حالياً، إلى درجة اليأس المغرق في نفق له أول وليس له آخر. الكل يبحث عن الحلول العاجلة للقضايا التي ستطرح غداً على جدول أعمال القمة الدورية، لأن التأجيل السابق قد نحت في عمر القضايا الشيء الكثير، ومع ذلك فإن حدوث التغيير الفوري أمر غير منطقي ولا محتمل بأي نسبة كانت، لأنه أقرب إلى عملية السلخ التي تترك آثاراً حارقة على الأعصاب الحية للأمة. وليست هناك قمة على المستوى العالمي وليس العربي فقط تطرح فيها قضايا ثم تعالج في اليوم التالي، وقمة الأرض التي عقدت في 1992 بالبرازيل لم تصلح إلى اليوم من جناية يد الإنسان على مناخه الذي أقلق سكان الأرض قاطبة، ليس لأن الإرادة غير متوفرة، بل لأن أدوات التطبيق في بعض الدول والسياسات قد تكون عاجزة أو قاصرة عن بلوغ الهدف المنشود في مدة قصيرة. فلو أخذنا في قمتنا "فلسطين" مثالاً لا يختلف عليه اثنان منا، أو من الدول التي تنشد لنا العدالة في القضية بغض النظر عن الواقع المأزوم، فإن حركة الأرض هناك بين "فتح" و"حماس" وإسرائيل الدولة لا تساعد عرب القمة على اتخاذ قرار قاطع لقيام دولة لم تتضح معالمها الجغرافية والسياسية والاقتصادية بعد، فالدعم السياسي لولادة قيصرية للدولة الفلسطينية تبعاته مليئة بالمجازفات غير المحسوبة على مستوى السياسة الدولية، والقياس على "كوسوفو" هو أكبر هذه المجازفات خطورة فيما لو ذهبت القيادة الفلسطينية لإعلان الاستقلال المنفرد. فلو استطاعت قمة الغد الخروج ببرامج عملية للمديات الثلاثة القصيرة والمتوسطة والطويلة لكل القضايا العالقة ولا نقصد هنا خلال يومي قمة دمشق، بل في قابل الأيام، لكانت المصداقية أقرب إليها في تحقيق نتائج ملموسة على المدى الاستراتيجي، وأن عجلة الأفراد لا يجب أن تضغط على حركة القادة في إدارة الأمور، لأن أمام القادة أنفسهم لا نقول قضايا عالقة، بل حقولاً من الألغام بحاجة إلى تقنية عالية في نمط العلاقات الدبلوماسية لنزع فتيلها أولاً ومن ثم الانتقال إلى قمة المستقبل، وإلا فإن أي انفجار لغمي في القمة الراهنة سوف يعيد الجميع قادة وشعوباً إلى "الثقب الأسود" في الكون العربي.