ظهور المواد التي تستخدم في صناعة أسلحة نووية بالسوق السوداء يُعد مَصدر قلق عالمي متزايد، ما يجعل من الضروري على الولايات المتحدة تعزيز فريق خبرائها في مجال التحقيق الجنائي النووي، خاصة الذي يمكن وصفه بـ"الشرعي"، ويجب على واشنطن تحديث أدواتها في هذا المجال من أجل الاستعداد لهجوم إرهابي نووي محتمل والرد عليه. ذلك أن كميات كبيرة من المواد النووية توجد مخزنةً بشكل غير مناسب في عدد من البلدان مثل روسيا وباكستان. كما أنه منذ 1993 تم تسجيل أكثر من 1300 حالة متاجرة غير قانونية في المواد النووية مثل البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب، وكلتاهما مادتان يمكن استعمالهما في صنع قنبلة ذرية. والواقع أن هذه ليست سوى الحالات التي نعرفها. من الممكن جدا أن تتمكن منظمة إرهابية من الحصول على ما يكفي من المواد النووية لصنع قنبلة. فقد تم ضبط مواد نووية من قبل دوريات الحدود، وحُجزت في مداهمات للشرطة من الهند إلى سلوفاكيا (آخرها تم الخريف الماضي)، بل وخُبئت في حديقة للزهور في مدينة هانوفر الألمانية. ومع كمية مسروقة كافية، لن تكون ثمة حاجة إلا لبضعة متخصصين لصنع سلاح نووي. وبعد ذلك، لن يحتاج الإرهابيون سوى لشاحنة من أجل نقلها. في حال قامت منظمة إرهابية بتفجير سلاح نووي على التراب الأميركي، فإن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" و"وكالة الاستخبارات المركزية" و"وزارة الأمن الداخلي" والمختبرات القومية الأميركية ستسارع إلى اقتفاء أثر المسؤولين عن هذا العمل وتجنب مزيد من التفجيرات من قبل تلك المنظمة. غير أنه إذا كان الفاصل الزمني بين سقوط البرجين في نيويورك والرد الأميركي في أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر- لا يتجاوز الشهر، فإن قدرات "البحث الجنائي الشرعي" الأميركي في المجال النووي -ومن ذلك تحليل الإشعاع النووي والبصمات النظائرية (isotopic signatures)- لا تستطيع ضمان توفر معلومات وافية في غضون شهر من الهجوم. فالألياف وبصمات الأصابع و"شاسيه" شاحنة ما - كلها أمور مهمة في البحث الشرعي- وستكون قد تبخرت في الانفجارن ولن يبقى سوى دليلين رئيسيين هما الإشعاع والبصمات النظائرية. ذلك أن الإشعاع والبصمات النظائرية هما الرائحة التي يستغلها علماء البحث الشرعي النووي لتعقب الإرهابيين. وهكذا، فإنهم قد يتمكنون في غضون بضع ساعات من معرفة ما إذا كانت القنبلة مصنوعة من البلوتونيوم أو اليورانيوم، وهي خطوة أساسية أولى من أجل تضييق نطاق التحقيق. وفي غضون ساعات إلى أسابيع، قد يحددون التفاصيل الرئيسية حول المادة النووية الأصلية، ثم يقدرون حجم القنبلة ووزنها وتعقيداتها. وعلى مدى الأشهر القليلة التالية، قد يتمكنون من تحديد بلد المنشأ والطريق الذي سلكه الإرهابيون لدخول الولايات المتحدة. بيد أنه في عالمنا الحالي -عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر- لن تكون لدينا أشهر من أجل الرد، إذ ستكون ثمة ضغوط قوية من أجل تحديد الإرهابيين ومسلسل الأحداث التي أفضت إلى الهجوم بسرعة. والحال أنه بتبني بعض التغييرات والإصلاحات، يمكننا تحسين سرعة ودقة البحث الشرعي النووي من خلال الخطوات التالية: أولاً: يتعين علينا تحديث برنامجنا الذي يعود للقرن العشرين قصد مواجهة أعداء القرن الحادي والعشرين، ذلك أن الكثير من معداتنا الميدانية والمخبرية تعود إلى زمن الحرب الباردة، وكذلك حال معظم موظفينا. ولذلك، فينبغي أن نطور ونصنع معدات متطورة ومتقدمة لتحليل الإشعاعات، يمكن نشرها في الميدان مدعومةً بقياسات مخبرية مطورة. ولهذا الغرض، فإننا في حاجة إلى عمليات محاكاة بالكمبيوتر وتمرينات على أرض الواقع. كما يتعين علينا أن ننشئ مبادرة فيدرالية من أجل إعادة تنشيط مجال الكيمياء النووية. ثانياً: التعاون الدولي مهم جداً، فالمواد النووية قد تكون لها بصمة فريدة حسب مصدر المفاعل أو الوقود النووي المستعمَل. وبالتالي، فمن شأن قاعدة بيانات دولية مشتركة وسهلة الاستعمال للعينات النووية، أن تساعد على الربط بشكل سريع بين أحد الانفجارات ومصدر المواد النووية المستعملة في الانفجار. ثالثاً: علينا أن نفكر في الوسائل الكفيلة بجعل العالم يصدقنا ويثق في تحليلنا، إذ من غير المستبعد أن ينتج عن إخفاقات أجهزة الاستخبارات الأميركية في إثبات وجود أسلحة الدمار الشامل بالعراق تشكك في نتائج أي تحقيق شرعي نووي نقوم به. وبالتالي، ينبغي تشكيل مجموعة من الخبراء المعترف بهم وغير المرتبطين بتحقيقنا الفيدرالي قصد توفير تزكية مستقلة لنتائج التحليل الشرعي النووي. رابعاً وأخيراً: علينا أن ندير التوقعات ونستعد للضغوط السياسية التي لا مفر منها من أجل الرد بسرعة على الهجوم. ومن خلال تمرينات واقعية وعمليات محاكاة، يستطيع زعماؤنا أن يحددوا ويتعرفوا على نقاط القوة في قدرات البلاد في مجال البحث الشرعي النووي وأوجه قصورها. والواقع أنه حتى مع هذه الخطوات والتغييرات، فإن التحليل الشرعي النووي سيتطلب وقتاً، كما أن النتائج لن تكون شاملة ووافية على نحو فوري. ولذلك، فعلى زعمائنا أن يقروا بأن القرارات ينبغي أن تؤجَّل أحياناً، أو أن تُتخذ في أجواء تتسم بالضبابية وانعدام اليقين. لقد حملت الآونة الأخيرة أخباراً سارة، حيث تقوم بعض البلدان، مثل باكستان، بتقوية وتمتين البرامج بالغة الأهمية التي تضمن عدم خروج المواد النووية من مَصدرها، بيد أن ذلك لا يغني عن اتخاذ خطوات إضافية، تحسباً ليوم يتسلَّل فيه البلوتونيوم أو اليورانيوم عبر البوابة! جي ديفيس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحد مفتشي الأسلحة في العراق بعد حرب الخليج الثانية، يعمل بـ"اللجنة الاستشارية حول تقليص التهديدات" التابعة للبنتاجون. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"