لم تزل السياسة الباكستانية تلفت، بتقلباتها المتواصلة، انتباه المراقبين في المملكة المتحدة التي تربطها علاقات خاصة مع هذا البلد الجبلي الذي يكتسي أهمية استراتيجية بالغة. فمنذ عام 1999 تم تعليق عضوية باكستان في منظمة الكومنويلث، ومن أصل 1.6 مليون مسلم الذين يعيشون في المملكة المتحدة، فإن 43 في المئة منهم ينحدرون من باكستان. وقد أشارت الانتخابات العامة التي أجريت في الثامن عشر من فبراير المنصرم، إلى أن مستقبلاً أفضل وأكثر إشراقاً قد يكون في انتظار البلاد، غير أن المشكلة البارزة حتى الآن تكمن في أن اغتيال زعيمة "حزب الشعب" بينظير بوتو في السابع والعشرين من ديسمبر، على يد شخص ما زال مجهولاً، خلق فراغاً كبيراً في الحياة السياسية. وخلافاً لانتخابات روسيا، والتي يصفها البعض بالسخيفة والمزورة وانتخابات كينيا التي أثيرت حولها تهم المتلاعَب والتزوير، فإن الانتخابات الباكستانية، وإن شابتها -حسب عدد من المراقبين- بعض الاختلالات، إلا أنها كانت بصفة عامة ذات مصداقية، وقد عملت على تقوية بنيةٍ ديمقراطية كانت آخذة في الضعف حتى وقت قريب. وإضافة إلى ذلك، فإن تلك الانتخابات لم تترك أي شك في أن الأغلبية الساحقة من الذين أدلوا بأصواتهم، في هذا البلد ذي الـ162 مليون نسمة، يأملون في تغيير الاتجاه الذي تسير فيه البلاد. مسؤولية الإشراف على تغيير هذا الاتجاه تقع اليوم على عاتق الحزب الفائز في الانتخابات، "حزب الشعب" الباكستاني الذي كانت تقوده من قبل رئيسةُ الوزراء الراحلة بينظير بوتو. وقد كانت بوتو شخصيةً مهمة ومؤثرة جداً في سياسة بلادها، إلا أن الشخصية التي ستخلفها على رأس الحزب لم تتضح بعد. ونتيجة لذلك، فهناك اليوم مشكلة في توحيد الفصائل الداخلية للحزب حول طريق واحد متفق عليه. وعملاً بوصيتها المفاجئة، تقلد زوجها "آصف علي زارداري" منصبَ رئيس الحزب بالإنابة إلى جانب ابنها "بيلوال زارداري" الذي يبلغ تسعة عشر عاماً، بيد أن آصف علي زارداري الذي لا يتوفر على مقعد في الجمعية الوطنية (البرلمان) ذات المقاعد الـ342، يعد شخصيةً مثيرة للجدل ويفتقر إلى كاريزمية بينظير وفصاحتها، حيث يشاع عنه أنه استولى على 10% من العقود الحكومية حين كانت زوجته رئيسةً للوزراء. أما بيلوال زارداري، فقد عاد إلى جامعة أكسفورد لدراسة التاريخ بعد وفاة والدته، ويُعتقد أنه سيدخل عالم السياسة في باكستان ويتفرغ له بعد حصوله على شهادته الجامعية. بيد أن حالة الفوضى والتردد داخل "حزب الشعب" الباكستاني اضطرته إلى العودة إلى البلاد في التاسع عشر من مارس من أجل مساعدة الحزب في محادثاته الطارئة والخاصة. وبعد أن تمكن من الفوز بمعظم المقاعد في الجمعية العامة، قام هذا الأخير باختيار يوسف رضا جيلاني، الرئيس السابق للبرلمان الذي يحظى بإعجاب وتقدير الكثيرين، لمنصب رئاسة الوزراء. أما الحزب الذي حل في المرتبة الثانية، فكان حزب "الرابطة الإسلامية" –جناح شريف. ويتزعم هذا الحزبَ "نواز شريف" نفسُه الذي سبقه له هو أيضاً، على غرار بينظير بوتو، أن شغل منصب رئيس الوزراء مرتين. غير أن الجنرال مشرف نحاه عن السلطة في انقلاب عسكري عام 1999. وفي سبتمبر المنصرم، عاد نواز من منفاه في الخارج إلى باكستان، حيث وُجهت له اتهامات جديدة بالفساد، قبل أن يتم إرغامه مرة أخرى على الخروج إلى السعودية، البلد الذي لعب دوراً مهماً في كواليس القرار الباكستاني. وبعد ذلك سُمح له بالعودة إلى البلاد من أجل المشاركة في الانتخابات. وفي التاسع من مارس الجاري توصل "حزب الشعب" الباكستاني و"الرابطة الإسلامية" -جناح شريف، إلى اتفاق حول اقتسام السلطة، وتواصلت محادثاتهما حول تشكيل حكومة مناوئة للرئيس برويز مشرف. بيد أن المحللين السياسيين في باكستان سارعوا إلى الإشارة إلى أنه لا يوجد حب بين الحزبين وأنهما يستندان إلى أيديولوجيتين سياسيتين مختلفتين جداً. ومن ناحية ثانية، فإن "حزب الشعب" الباكستاني يتركز في إقليم السند، ومن الواضح أنه حصل على تصويت تعاطفي بعد اغتيال بينظير بوتو، هذا في حين تتركز قاعدة "الرابطة الإسلامية" الباكستانية في إقليم البنجاب. وقد تحالف الحزبان بهدف تشكيل حكومة بديلة لتلك التي كان يقودها الرئيس مشرف وحلفاؤه السياسيون. وبعد التوصل إلى الاتفاق بشأن اقتسام السلطة، قال نواز شريف: "لا أعتقد أننا اعترفنا بوجود مشرف، فنحن نعتبره رئيساً غير دستوري وغير قانوني، ولا نريد أن تذهب التضحيات التي قدمناها خلال السنوات الثماني الماضية سدى". وقد اتفق حزبا "الشعب" و"الرابطة" على إعادة تنصيب قاضي القضاة افتخار محمد شودري، ونحو ستين قاضياً مستقلاً آخر يعملون في المحاكم العليا كانوا قد أقيلوا جميعهم من قبل الرئيس مشرف في إطار حكم الطوارئ، ذلك أنه كان يَعتقد أنهم من غير المرجح أن يؤيدوا إعادة انتخابه المثيرة للجدل كرئيس للبلاد. وأعتقد شخصياً أن الرئيس مشرف سيعارض بقوة واستماتة هذه الخطوة، فمشرف يجد نفسه اليوم في وضع غير مألوف وغير مريح. صحيح أن البلدان الغربية وبعض البلدان العربية تؤيد دعمه لجهود محاربة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، من المنتظر أن تمنح المملكة المتحدة باكستان مساعدات تقدر بنحو 480 مليون جنيه استرليني، على مدى السنوات الثلاث المقبلة، كمساهمة في جهود محاربة الفقر. غير أن مكانته السياسية في الداخل تراجعت كثيراً. فقد ارتكب الكثير من الأخطاء وخلق العديد من الأعداء منذ أن قاد انقلاباً ناجحاً في 1999. ثم إنه إذا كان الإسلاميون هم الخاسرين الكبار في هذه الانتخابات، رغم أنهم قاطعوها، فإن المقاتلين القبليين والعصابات الإجرامية وعناصر "القاعدة" يهيمنون في بعض مناطق البلاد. أعتقد أن على المملكة المتحدة أن تتعاون مع باكستان حول القضايا التي تكتسي أهمية كبرى بالنسبة لها، مثل موضوع الحدود مع أفغانستان. بيد أنه على لندن في الوقت نفسه أن تتجنب التصرف بعنجهية والتدخل في شؤون باكستان الداخلية، لاسيما في مثل هذه الظرفية الحالية.