في شهر نوفمبر المقبل، سوف يصوت الأميركيون لانتخاب رئيس جديد، في إحدى أهم المعارك الانتخابية التي يتوقع أن يكون لها بالغ الأثر على سياسات واشنطن الخارجية، وخاصة سياساتها إزاء الشرق الأوسط. على أن لهذه انتخابات ثلاثة احتمالات متباينة: أولها احتمال فوز السناتور باراك أوباما، المعروف بمعارضته للسياسات الخارجية التي انتهجتها إدارة بوش. ففي حال فوزه، يتوقع لأوباما أن يعلن الانسحاب الفوري من العراق، مقابل تعزيز جهوده الدبلوماسية مع بعض البلدان التي يناصبها بوش العداء ويخوض مواجهة محتدمة معها، بما فيها سوريا وإيران. ولن تقتصر جهود أوباما الدبلوماسية على هذه الدول المذكورة فحسب، وإنما يتوقع لإدارته أن ترفع من مستوى تشاورها وتعاونها الدبلوماسيين مع الدول الصديقة للولايات المتحدة أيضاً. أما ثاني الاحتمالات فيتمثل في فوز السناتورة هيلاري كلينتون. وفي هذه الحالة سوف تسعى حتماً لإحداث تغييرٍ ما في سياسات بوش الحالية إزاء العراق، وذلك عن طريق العمل على نحو ما للانسحاب العسكري منه، رغم أنه لم تتضح بعد الكيفية التي ستحقق بها هذا الانسحاب ولا المدى الزمني المقرر له، إلى جانب الغموض الذي يكتنف سياساتها إزاء المحافظة على شكل ما من أشكال الوجود العسكري هناك في الوقت ذاته. أما فيما يتعلق بالموقف من إيران، فلم يعرف عن هيلاري إعلانها أي التزام بإحداث تغيير في سياسات بوش المتبعة إزاء إيران حتى هذه اللحظة، مع العلم أنها سياسات تقوم على المواجهة المكشوفة والمباشرة مع طهران. ذلك أن هيلاري لم تعرف عنها أي تصورات أخرى عما يجب فعله إزاء الخصم الإيراني، عدا عن الانتقادات التي وجهتها إلى منافسها باراك أوباما بسبب الإعلان عن استعداده لخوض محادثات مباشرة مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وبهذا نصل إلى الاحتمال الثالث والأخير، ألا وهو فوز السناتور الجمهوري جون ماكين. وعندها فالأرجح أن يواصل ماكين ذات السياسات الخارجية التي انتهجتها إدارة بوش إزاء العالم بأسره، بما فيها سياساتها إزاء الشرق الأوسط. ويذكر أن بوش كان قد رفض الانصياع لاتجاهات الرأي العام الأميركي التي أظهر غالبها رغبة الأميركيين في الانسحاب من العراق العام الماضي. وبدلاً من ذلك تبنى بوش استراتيجيته الأمنية الجديدة القائمة على زيادة عدد القوات. وعندها كان السناتور جون ماكين المرشح الرئاسي الأعلى صوتاً في الدفاع عن هذه الاستراتيجية، وبقي على رأيه القائل إن على أميركا أن تعزز وجودها العسكري في العراق، بل أن تطيل أمد بقائها فيه لمدة قد تصل مائة عام، استناداً على ما تراءى له من نجاح باهر لهذه الاستراتيجية. وبما أن تلك هي رؤيته، فليس مستبعداً أن يسعى ماكين لإقامة قواعد عسكرية أميركية لأجل غير مسمى هناك. وهاهو يهاجم كلاً من منافسيه الديمقراطيين أوباما وهيلاري، واصفاً إياهما بالاستسلام والانهزامية، بسبب دعوتهما للانسحاب العسكري. وعلى الجبهة الإيرانية، يتوقع أن يواصل ماكين سياسة المواجهة القوية مع طهران، مع العلم أنها ذات السياسة التي تفضلها إدارة بوش. ورغم أنه لم يعد مرجحاً حدوث أي مواجهة عسكرية مع طهران، اعتماداً على التقرير الاستخباراتي الصادر في العام الماضي، والذي أكد عدم وجود برامج نووية عسكرية نشطة لطهران، فالمتوقع من ماكين أن يواصل سياسة التصعيد إزاء إيران، وألا يدخل في أي تفاوض دبلوماسي معها. والدليل أنه ينتقد أوباما أشد الانتقاد ويصفه بالسذاجة الخطرة، لمجرد أنه أبدى استعداداً لخوض محادثات دبلوماسية مع طهران ودمشق وغيرهما، في حال فوزه. يذكر أن هذه السياسات المتشددة تجد لها صدى قوياً في نفوس شرائح لا يستهان بها من المجتمع الأميركي، وسوف ننتظر لنرى ما إذا كان اختيار الناخبين سيقع على ماكين في شهر نوفمبر المقبل، لمجرد وعده بجعل أميركا أكثر أمناً. على أن هذه تبقى مجرد احتمالات وتكهنات، ولا يزال ممكناً حدوث الكثير خلال الأشهر الثمانية التي تفصلنا عن موعد الانتخابات. وإلى جانب هموم السياسات الخارجية، هناك الكثير من القضايا الداخلية التي تؤثر هي الأخرى على سير المعركة الانتخابية الرئاسية هذه. فحتى العام الماضي، كانت السياسات الخارجية، وبصفة خاصة سياسات إدارة بوش إزاء العراق، القضية الأكثر أهمية في نظر الناخبين. بيد أن قضايا أخرى برزت إلى السطح واحتلت مكانة ملحوظة في التأثير على مجرى الانتخابات، من أهمها الاقتصاد القومي، الذي بدا متراجعاً ومتباطئاً منذ العام الماضي. وإلى جانب الاقتصاد، هناك سؤالان يؤرقان الناخب الأميركي اليوم على نحو غير مسبوق في أي من الانتخابات الرئاسية: هل أصوّت لصالح امرأة رئيسة؟ أم اختار رئيساً أسود؟ ولنفترض هنا فوز أحد المرشحين "الديمقراطيين" بانتخابات نوفمبر المقبل، طالما أن تأييد الرئيس بوش للسناتور جون ماكين، باعتباره مرشحاً للحزب الجمهوري، سوف يلحق ضرراً بالغاً بهذا الأخير، إلى درجة ترجح خسارته للانتخابات نفسها. وعندها سيسجل تاريخ الولايات المتحدة حدثاً غير مسبوق، عندما يكون لها رئيس أسود أو رئيسة، حسب النتيجة التي ستسفر عنها صناديق الاقتراع. والمعلوم أن للكثير من الأميركيين عصبياتهم إزاء كلا الاحتمالين حتى الآن. وعليه فقد بذلت هيلاري جهداً كبيراً في سبيل استقطاب الفئات النسوية الأكثر حماساً وقناعة بإمكانية قيادة امرأة لدفة السفينة الرئاسية. ومن أجل تجاوز العصبيات والمواقف المسبقة من القيادة النسائية عموماً، حاولت هيلاري ما وسعتها الحيلة إقناع الناخبين الأميركيين بأنها ستكون حازمة أشد الحزم إزاء قضايا الأمن القومي، إلى حد جعلها أكثر قرباً من سياسات بوش المتشددة في هذا المجال. أما بالنسبة لباراك أوباما، فقد اشتدت العصبيات إزاء لونه بشكل خاص خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. والدليل ما أظهرته شرائط الفيديو وما نشر عبر شبكة الإنترنت من هجوم قوي للسناتور الأسود على أولئك الذين أعربوا عن عصبية واضحة إزاء السود، دفعتهم إلى حد شتيمة الولايات المتحدة نفسها. وهذا ما أرغم أوباما على توجيه خطاب قوي عن العامل العنصري في هذه الانتخابات. ومما قاله أوباما في هذا الصدد، إن على الأميركيين أن يناقشوا هذا الأمر بوضوح تام، ودعا إلى توحيد الأميركيين بصفتهم أميركيين، بصرف النظر عن ألوانهم وانتماءاتهم العرقية، مذكراً الناخبين بأنه ينحدر من أم بيضاء وأب أسود. وهكذا يبقى الموضوع الأكثر سخونة في الانتخابات هذه: ما إذا كان الناخبون سوف يختارون امرأة أم رجلاً أسود للمنصب الرئاسي؟