يمكن للصين أن تمضي قدماً بخطوات واسعة هذه الأيام، بحيث تبدو في نظر الكثيرين كنموذج لقوة من قوى القرن الحادي والعشرين، تعيش عصر ما بعد الحداثة؛ فزوار شنغهاي اليوم يرون ناطحات سحاب واقتصاداً مزدهراً. أما مرتادو منتدى دافوس وغيره من المنتديات والمؤتمرات الدولية الأخرى، فيرون كيف أصبح الدبلوماسيون الصينيون العصريون يتحدثون عن السياسات والمواقف التي تكسب فيها جميع الأطراف، بدلاً من الحديث عن السياسات والمواقف الصفرية، التي يفوز فيها طرف بكل شيء في حين يخسر الطرف الثاني كل شيء. ويقابل الزعماء الغربيون نظراءهم التكنوقراطيين الصينيين الجادين، ويرون كيف يحاولون تفادي المزالق الكثيرة التي تعترض طريقهم نحو التحديث الاقتصادي. في بعض الأحيان يسقط القناع أو ينزاح قليلاً عن الوجه كي يظهر الجانب الآخر من ملامح الصين. هذه الملامح تنتمي إلى القرن التاسع عشر، وتكتسي بمشاعر الزهو القومي والطموح ومظاهر الاستياء والانشغال بالسيادة القومية والتشبث بقوة بالأراضي التي حصلت عليها عن طريق الغزو والواقعة في أجزائها الداخلية. وهي أيضاً ملامح ديكتاتورية سلطوية تحاول أن تتخفى في ثوب حديث. فهذه الملامح تخفي الطبيعة الحقيقية للنظام والتي لا تظهر بوضوح في شوارع شنغهاي، حيث يتمتع الناس بدرجة من الحرية الشخصية، طالما ظلوا بعيدين عن دس أنوفهم في شؤون السياسة. فهذه الطبيعة الحقيقية التي تتسم بالوحشية، لا تظهر إلا عندما يفكر أحد في تحدي سلطة هذا النظام، كما حدث على سبيل المثال، عندما تظاهر الطلاب في ميدان "تيان آن مين" عام 1989، وكما حدث بعد ذلك في التعامل مع الجماعة المعروفة بجماعة "فالون جونج" المعارضة منذ عدة سنوات، وما يحدث مع المتظاهرين التبتيين في الوقت الراهن، وما قد يحدث غدا مع المتظاهرين في هونج كونج. هذه هي ملامح الطبيعة الصينية التي يبدو أنها لا تتغير، على الرغم من اعتقادنا الليبرالي التقدمي، بأنها يجب أن تتغير في النهاية. والمهتمون بالشأن الصيني، يصرون على أن بكين ستنفتح في النهاية. الجيل الحالي من التكنوقراط الصينيين، الذين لم يتربوا على الشيوعية، هو ذلك الجيل الذي كان منوطاً به مهمة البدء في إصلاح النظام. وحتى إذا لم يكن هؤلاء راغبين في التغيير، فإن متطلبات تحرير الاقتصاد لن تترك أمامهم خياراً: فإما أن تطالب الطبقة الصينية الوسطى بقدر أكبر من السلطة السياسية، أو تؤدي مطالب الاقتصاد المتعولم في عصر الإنترنت إلى إجبار الصين على التغير كي تظل قادرة على المنافسة. اليوم يبدو هذا كله كما لو كان تفكيراً رغبوياً إلى حد كبير، فمن المؤكد وفقاً للنظرية التي يقوم عليها هذا التفكير هو أن تتحول الصين إلى دولة ديمقراطية في نفس الوقت الذي سيصبح فيه رجال الأعمال الغربيون أغنياء. وهو عكس ما نشاهده الآن، والذي يبين بجلاء أنه كلما أصبحت الدولة أكثر ثراءً- سواء كانت هذه الدولة هي الصين أو روسيا أو أي دولة أخرى- كلما أصبح من الأيسر على الأوتوقراطيين أن يتشبثوا بالسلطة. فزيادة الأموال تضمن رضاء أفراد الطبقة الوسطى، وتمكن الحكومة من تطويق القلة الساخطة التي تنفث عن مشاعرها على شبكة الإنترنت. وزيادة الأموال تؤدي أيضاً إلى زيادة قدرة النظام على تمويل قوات الجيش وعناصر الأمن الداخلي التي يستطيع توجيهها ضد متظاهري التبت في الداخل وضد تايوان في الخارج. كذلك فإن إغراء الحصول على المزيد من الأموال، يجعل العالم ذا العقلية التجارية حريصاً على النأي بنفسه عن الاحتجاج بصوت عال ضد الصين، عندما تعمد إلى اتخاذ إجراءات قاسية. في الوقت الراهن يتحدث مراقبو الشأن الصيني عن تحول بكين إلى "شريك مسؤول" في النظام الدولي، بيد أنه يجب علينا ألا نتوقع الكثير من وراء ذلك، لأن مصالح الأوتوقراطيات العالمية ليست هي نفسها مصالح الديمقراطيات. إننا نريد أن نجعل العالم أكثر أماناً من أجل الديمقراطية، وهم - الصينيون- يريدون العالم أكثر أماناً أيضا إذا لم يكن من أجل الأوتوقراطيات جميعاً، فمن أجل أنفسهم على الأقل. إن الناس يتحدثون عن مدى براجماتية الحكام الصينيين، ولكن يجب علينا أن نتذكر أن براجماتية هؤلاء الحكام- شأنهم في ذلك شأن كافة الحكام الأتوقراطيين، في أي بقعة في العالم، تظهر أكثر ما تظهر في كيفية البقاء في السلطة. ربما سنحتاج إلى وضع ذلك في أذهاننا، أثناء محاولتنا دمج الصين في نظامنا الليبرالي الدولي. روبرت كاجان باحث رئيسي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"