ميرزا... شبيهة بوتو في "المطبخ التشريعي"!




تتلاحق الأحداث والتطورات مسرعة في باكستان، لتضعها على عتبة جديدة لمرحلة أخرى من تاريخها السياسي. ففوز أحزاب المعارضة في الانتخابات العامة الأخيرة، وتعهد الجيش بالانسحاب من الحياة السياسية، إضافة إلى الحيوية العالية التي أظهرتها هيئات المجتمع المدني... كلها مؤشرات على حراك سياسي باكستاني نشط. بيد أن أهم مؤشرات التحول الراهن في باكستان، هو برلمانها الجديد الذي يعقد هذا اليوم اجتماعه الأول تحت رئاسة امرأة، في سابقة هي الأولى ضمن تاريخ الحياة النيابية الباكستانية الممتد طوال 60 عاماً. فمنذ يوم الأربعاء الماضي، دخل اسم فهميدة ميرزا التاريخ، بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة البرلمان في باكستان البلد الإسلامي المحافظ الذي يسكنه 160 مليون شخص. وقد فازت بالمنصب لنيلها 249 صوتاً من أصل 342 هي عدد مقاعد الجمعية الوطنية، مقابل 70 صوتاً فقط لمنافسها الوحيد مرشح الأحزاب المؤيدة للرئيس برويز مشرف. وقد عبر النواب تصفيقاً وقرعاً للطاولات، ومعهم "تشودري أمير حسين" رئيس البرلمان المنتهية ولايته والذي ترأس جلسة انتخاب ميرزا، عن فرحهم بالنتيجة، رغم أنها متوقعة منذ إعلان "حزب الشعب" ترشيحه لميرزا بموجب اتفاق مع حزب "الرابطة الإسلامية- جناح شريف"، ثم جاءت الخطوة التالية نحو الفوز حين أقرت "لجنة الانتخابات" بأهلية ميرزا للمنصب، بعد دراسة أوراق ترشيحها.

أدت ميرزا اليمين أمام النواب، مدشنة بذلك مرحلة جديدة في حياتها السياسية، فأعربت عن عزمها على حماية المصالح العليا للشعب الباكستاني، والعمل بحياد كرئيسة للبرمان، ومعاملة جميع النواب على قدم المساواة، كما وجهت تحية لذكرى بنيظير بوتو، زعيمة "حزب الشعب" الراحلة، قائلة إن بوتو كانت تتمنى رؤية امرأة في رئاسة البرلمان الباكستاني.

لكن ما هي الملفات والمهام والتحديات الرئيسية، المرتبطة بذلك المنصب؟ وهل تمتلك ميرزا من الكفاءة والخبرة ما يؤهلها للإطلاع بأعباء قيادة الجمعية الوطنية الباكستانية؟

فهميدا ميرزا نائبة وقيادية في "حزب الشعب"، وهي ذات باع طويل في الحياة النيابية، وقد فازت في انتخابات 18 فبراير المنصرم، وذلك للمرة الثالثة على التوالي ضمن قوائم حزبها الذي احتل الصدارة في الانتخابات الأخيرة بحصوله على 121 مقعداً، بينما تلاه في المرتبة الثانية حزب "الرابطة الإسلامية- جناح شريف" بـ91 مقعداً.

ولدت فهميدا ميرزا في ولاية السند الجنوبية عام 1956، أي بعد حوالي 9 سنوات على تأسيس دولة باكستان. وهي من عائلة تشتغل بالسياسة، فوالدها وزير سابق وقيادي في "حزب الشعب"، أما زوجها ذو الفقار علي ميرزا فهو سياسي أيضاً ورجل أعمال ناجح، وذو صلة وثيقة بعائلة بينظير بوتو، لاسيما زوجها آصف زرداري الذي تسلم قيادة الحزب من بعدها. وقبل أن تلج ميرزا عالم السياسة، عملت طبيبة إثر تخرجها من كلية الطب في أواسط الثمانينيات، ثم انتقلت إلى عالم الأعمال لتتولى إدارة مؤسسة للاستشارات الفنية في ميدان الاتصالات والمعلومات. وساعدها مركزها المالي وخلفيتها العائلية، على الفوز ضمن لوائح "حزب الشعب" في الانتخابات البرلمانية لعام 1997. وفي الأعوام اللاحقة، كانت ميرزا شاهدة على مرحلة هي الأكثر صعوبة في تاريخ البرلمان الباكستاني، ما بين تعليقه ومصادرة جزء كبير من سلطاته.

وبعد عودة بوتو إلى باكستان أواخر العام الماضي، شوهدت ميرزا إلى جانبها عدة مرات، فهي رئيستها في الحزب، وهما معاً تتحدران من مدينة كراتشي نفسها في إقليم السند، وتنتميان إلى الطبقة الأرستقراطية من الطائفة الشيعية في الإقليم، وتتقاسمان الأفكار والخلفية الثقافية الليبرالية نفسها، وحين قتلت بوتو في ديسمبر الماضي كانتا معاً في سن متقاربة، وإلى ذلك فهما تحملان ملامح متشابهة، إذ تلبس ميرزا فستاناً عصرياً بينما تغطي رأسها بنصف حجاب شفاف، تماماً كما كانت تفعل بوتو... لكن لكل منهما تجربتها السياسية وخبراتها الخاصة!

في الظروف العادية، يتولى رئيس البرلمان تنظيم سير الأعمال داخل المجلس، ويقرر النقاشات والاقتراحات المسموح بها، إلا أن المرحلة الحالية في باكستان تضاعف الأعباء على رئيسة البرلمان الجديد؛ بسبب الخلاف المتجذر بين الرئيس مشرف والحكومة الائتلافية المنتظرة، والتي اختارت أحزاب الأغلبية القيادي في "حزب الشعب"، يوسف رضا جيلاني، رئيساً لها حيث يتوقع أن ينال ثقة البرلمان اليوم الاثنين. وعلى ما يبدو فإن "الشعب" و"الرابطة الإسلامية"، قررا خوض مواجهة حاسمة ضد مشرف بهدف تنحيته، من خلال الحكومة والبرلمان معاً.

في هذا المناخ سيكون على ميرزا أن تبرهن على اختلاف البرلمان الحالي عن نظيره السابق، وأن تستعيد له سيادته وهيبته وصلاحياته، وأن تجعل منه مؤسسة تشريعية ورقابية فعالة، بالخوض في قضايا كانت ممنوعة في السابق، مثل ميزانية الدفاع والمعاهدات الأمنية الخارجية، وغيرها من الملفات التي كان يتخذ فيها القرار بعيداً عن المجمعية الوطنية. كما يتعين على ميرزا أن تدير التحالف داخل البرلمان بين حزبها وخصمه التقليدي حزب "الرابطة الإسلامية".

وإلى ذلك فالبرلمان الجديد معني بكل الإشكالات التي تواجه باكستان، ومنها الحرب ضد الإرهاب التي خاضها مشرف على طريقته الخاصة، بينما يسعى القادة الجدد في إسلام أباد إلى وقف النزيف الدموي في البلاد من خلال إطلاق مفاوضات مع المتشددين. فضلاً عن تحديات الوضع الاقتصادي، والحاجة إلى معالجات حقيقية تخفف أعباء المعاناة عن كاهل المواطن. والمجلس معني أيضاً بالخطوط العريضة للسياسة الخارجية، وفي صلبها النزاع مع الهند على إقليم كشمير. إلا أن محك الاختبار الأول للتحالف الحزبي الجديد داخل الجمعية الوطنية الباكستانية برئاسة ميرزا، هو تنفيذ الاتفاق المبرم بين شريف وزرداري، والذي تعهدا فيه بإعادة القضاة الذين عزلهم مشرف إلى مناصبهم بقرار برلماني خلال 30 يوماً من انعقاد جلسة البرلمان الأولى، أي ابتداءً من اليوم، وهو ما يجعل سيدة آثرت البرلمان على مطبخ بيتها، أن تواجه جنرالاً خلع بزته العسكرية، تحت قبة المطبخ التشريع الأعلى!



محمد ولد المنى