المسافة واسعة بين الجمهورية الإيرانية الإسلامية ودولة ماليزيا، فالأولى بلد تحكمه أيديولوجية إسلامية ويتحكم فيه الأئمة، بينما ماليزيا دولة إسلامية صغيرة استطاعت أن تتميز بين دول العالم في تركيزها على التنمية الاقتصادية. جرت في 8 مارس الحالي الانتخابات التشريعية في ماليزيا وكانت انتخابات نزيهة وصادقة أدت إلى خسارة "الجبهة القومية" التي تحكم ماليزيا منذ الاستقلال أغلبية الثلثين في مجلس النواب وفقدت السلطة في أربع ولايات كانت إحداها ولاية "قدح" مسقط رأس مهاتير محمد لصالح "الحزب الإسلامي الماليزي" وكان أنور إبراهيم نائب رئيس وزراء ماليزيا السابق والذي اتهمه مهاتير محمد بالفساد وادخله السجن، أكبر الرابحين حيث زاد عدد مقاعد حزبه إلى 31 مقعداً بعد أن كان يحتل مقعداً واحداً. وأصبح بذلك يمثل قيادة المعارضة، كما حصل "حزب العمل الديمقراطي" المعارض على 283 مقعداً وزادت مقاعد "الحزب الإسلامي الماليزي" الى 23 مقعداً بعد أن كانت سبعة فقط. وهو ما ينبئ بتحولات مهمة في مستقبل التجربة التنموية الماليزية، أهمها أن الجبهة الحاكمة لم تعد تستطيع أن تعدل الدستور أو تصدر قوانين متعلقة بالدستور دون موافقة أحزاب المعارضة. في جمهورية إيران الإسلامية جرت الانتخابات يوم 14 مارس الحالي، وهي الانتخابات الوطنية الثامنة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية. الانتخابات في إيران لم تكن مثيرة لأن الفائزين في الانتخابات محددون سلفاً، فالمرشحون الذين يحكم عليهم بأنهم غير موالين بالشكل الكافي أو غير مخلصين تمام الإخلاص للمؤسسة الدينية في البلاد، لن يكون بوسعهم مجرد التفكير في خوض الانتخابات. ففي هذا العام تم استبعاد حوالي 2000 مرشح من المرشحين الإصلاحيين للبرلمان الإيراني الذي يتكون من 290 نائباً، ولديه نظرياً صلاحيات واسعة مثل إعداد التشريعات والتصديق على المعاهدات الدولية والإشراف على الميزانية السنوية للدولة، لكنه عملياً وواقعياً لا يملك أية قوة فعلية، فجميع قرارات المجلس تعرض على مجلس الأوصياء وهو هيئة غير منتجة تتكون من 12 قاضياً يتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية! نتائج انتخابات إيران لم تفاجئ أحداً، فالحزب الحاكم هو الفائز، وقد تم استبعاد الإصلاحيين ففاز المحافظون بنسبة 71% من المقاعد، وبقي الخلاف الشكلي بين المحافظين أنفسهم؛ أحد الأجنحة بقيادة الرئيس محمد نجاد والجناح الآخر من المتشددين بقيادة علي لاريجاني... الاصلاحيون حصلوا على 44 مقعداً فقط. ما هو الدرس المستفاد من الانتخابات في دولتين إسلاميتين؟ إن أول الدروس لنجاح الديمقراطية في أي بلد يتمثل في نجاحها الاقتصادي، أو لنكن أكثر تحديداً، ارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي... فالتجربة الماليزية تخبرنا أنه رغم خسارة الحزب الحاكم إلا أنها انتصار للديمقراطية ولعبدالله بدوي رئيس الوزراء. فالانتخابات النزيهة عبرت عن إرادة الشعب الماليزي... فهذا الشعب لم يصوت لأيديولوجية معينة بل صوت ضد رئيس الوزراء لأنه لم يقم بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة التي وعد بها الشعب في عام 2004. أما في إيران فقد تم انتخاب المحافظين رغم فشلهم في تحسين الاقتصاد... إيران اليوم تعاني من البطالة وارتفاع الأسعار والفساد، رغم ارتفاع أسعار النفط... كل ذلك يعود للإفراط في القضايا الدينية والسياسية وإهمال الاقتصاد الإيراني.