مرت الخميس الماضي الذكرى الخامسة لحرب سقوط صدام حسين ونظامه إلى غير رجعة. مرت الذكرى بكل ما تحمل من تطلعات وآمال بل ومآسٍ وآلام للعراق وللمنطقة برمتها. سقط عشرات الآلاف منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بين قتيل وجريح، وتشرد الملايين، ولا زالت الأوضاع المعيشية والحياتية والأمنية دون حدودها الدنيا المطلوبة. ولا شك أن السؤال الذي يتردد عند من كان طرفاً في تلك الحرب بشكل أو بآخر هو: هل ما تحقق حتى الآن يستحق الحرب بكل تبعاتها ومآسيها؟ هناك فريقان يحملان في العراق اليوم إجابتين رئيسيتين متباينتين تماماً، أولاً: نعم، كانت الحرب بكل آثارها ونتائجها الدامية تستحق شنها، فالحرب كانت الأمل الوحيد لبداية وضع حد للقهر والظلم والتعسف والتخلف والديكتاتورية. وما كان لنظام صدام أن يسقط لو لم تسقطه أميركا، هذه حقيقة لا مراء فيها، فالرجل سخر إمكانات بلد من أغنى دول العالم لتشديد قبضته والتمسك بالسلطة، دافعاً في سبيل تحقيق ذلك الهدف بملايين من القتلى والجرحى والمشردين في حروب عبثية مع إيران والكويت، ثم استمرار سياساته بالتجويع والحصار للعراقيين ليرفع عن نظامه الحصار الدولي كي يستمر في ممارسة نزعاته الدامية. صحيح أن الوضع ليس على ما يرام في عراق اليوم، ولكن أي حديث عن سلام وازدهار واستقرار وديمقراطية وتقدم ما كان له أن يبدأ بوجود نظام صدام، ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة. علينا أن نتفاءل، فاليوم أحسن من الأمس، وغداً أفضل حتماً من اليوم، وليس من المنطق أن نخرج من الصَدّامية إلى فردوس الديمقراطية والاستقرار والازدهار بين عشية وضحاها. ما يجري من مآسٍ في عراق اليوم ضريبة باهظة، دفعتها قبلنا شعوب أخرى، لتصل إلى ما وصلت إليه. ثانياً: هناك رأي يرى أن الأوضاع أصبحت أكثر سوءاً مما كانت عليه أيام الديكتاتورية الصَدّامية، وأن ما أنجز متواضع قياساً بحرب مدمرة أطاحت بالنظام، وأطاحت بأسس عراقية من التعايش، وجرت الطائفية التي لم يعرفها العراق قبلا، وانفلات حدودي تسربت منه أفواج من الإيرانيين والعرب الآخرين بأجندات إقليمية غير عراقية، وسيبقى تأثير هؤلاء في المشهد العراقي لسنين طويلة. الحرب التي من المفترض أن تكون قد قضت على الديكتاتورية فرضت ديمقراطية ديكورية يمارسها طائفيون من جميع الفئات بينهم وبين الديمقراطية مثل ما بين الفرات والأمازون. كما أن الفساد استشرى، وانعدم الأمن، وانتشرت الميليشيات، ونزح الملايين نزوحاً داخلياً، وخارجياً، وظهرت العمائم، وبسمل بعثيو الأمس وحوقلوا بعد أن رفعوا شعارات "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة". وتدخلت إيران، وانفصلت كردستان، والجنوب يطالب بالانفصال. وعلى الصعيد المعيشي: "ماكو ماي ولا كهربا"، والتعليم متعثر، والعلماء يتلاشون هجرة واغتيالاً... فعن أي تحرير للعراق تتكلمون؟؟ قال لي صديق خليجي: لو أعاد التاريخ نفسه، هل توافقون على شن الحرب من الكويت وتؤيدونها بعد ما جرى ما جرى؟ قلت له بكل ثقة وطمأنينة: نعم، لأن الموقف الكويتي كان مختلفاً عن كل مواقف دول وشعوب العالم، فما كان من الأخلاق ولا من المروءة والشهامة أن نقبل لأنفسنا ما لا نقبله للعراقيين. صدام حسين الذي غزا الكويت وجعل عاليها سافلها طيلة سبعة أشهر حيث قتل وشنع وهجر وعذب وانتهك واختطف وحرق وسلب ونهب هو صدام حسين نفسه الذي جثم على صدر الإنسان العراقي طيلة ثلاثين عاماً، ولولا إرادة خليجية-عربية، وقوة عسكرية أميركية، لما تحررت الكويت. ولولا قوة أميركا العسكرية لما تحرر الإنسان العراقي من صدام حسين. وللحديث عن الوضع العراقي شجون وأكثر من مقالة... د.سعد بن طفلة العجمي