أطلقت "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث"، قبل أيام قليلة، مشروع "قلم" لدعم نشر وتوزيع الكتاب المحلي الأدبي من قصة ورواية ونصّ مسرحي وشعر، ولا شكّ في أن هذا المشروع يحظى بأهمية حيوية كونه يهدف إلى العمل على دعم الإنتاج الأدبي المحلي نشراً وتوزيعاً وترويجاً، بغرض تحفيز هذا الإنتاج وإيجاد الشروط المناسبة لازدهاره وتطوّره وتعريف العالم بالإبداع الإماراتي وتسويق النتاج الأدبي وترويجه عبر المشاركة في المعارض العربية والعالمية والفعاليات الثقافية المهمّة، بالإضافة إلى تبنّي إعادة طباعة الأعمال المنشورة سابقاً، إلى جانب استقطاب المبدعين المحليين من الأجيال والتيارات كافة، وجمع نتاجهم الأدبي في بوتقة واحدة تسهم في إعداد مجموعة شاملة للأدب الإماراتي. وما يكسب هذا المشروع أهمية أصيلة أنه ينسجم مع دعوة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- لجعل عام 2008 عاماً للهوية الوطنية بتعزيز عناصرها، وتعميق مكوّناتها وتكريس ممارساتها، حيث وضع من بين شروط نشر الأعمال الإبداعية الإماراتية من قصة ورواية ونص مسرحي وشعر، أن تكون مكتوبة باللغة العربية الفصحى، باعتبار أن اللغة الأم هي الركيزة الأساسية للهوية الوطنية. وهو أمر يعزّز من ناحية أخرى مكانة اللغة العربية في المجتمع الإماراتي، اتساقاً مع كون الإمارات دولة عربية وهويتها عربية إسلامية. وفي الواقع، فإن مشروع "قلم" يعكس الاهتمام اللافت للنظر الذي توليه الدولة لإنعاش الوضع الثقافي، ذلك أنه يعدّ حلقة في سلسلة من المبادرات الثقافية التي أطلقت في الفترة الأخيرة، بهدف تعزيز الإنتاج المعرفي ودعمه عبر وسائل مختلفة منها تدعيم عملية الترجمة وتوفير فرص أكبر لتعزيز عملية التأليف، من خلال مبادرتي "كلمة" و"اكتب". وهذا الاهتمام مؤسّس بطبيعة الحال على إدراك لطبيعة التحوّلات الحادثة حالياً على المستوى العالمي، والتي صبّت في سبيل تعزيز مكانة المعرفة وقيمتها في عملية التنمية الاقتصادية. وبشكل أكثر تحديداً، فإن مشروع "قلم" يعكس الجهود الملموسة التي تقوم بها "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث" في مجال التنمية الثقافية، حيث إن الهيئة قد دأبت منذ إنشائها على النشر والانتشار الثقافي، وهذا المشروع هو رافد من روافد عدّة أطلقتها الهيئة وزخرت بفعلها الثقافي الذي حقّق نجاحات مذهلة. ومن المؤكد أن مشروع "قلم" ستكون له انعكاساته الإيجابية على مستويات عدّة: أولها، تعزيز الإبداع المحلي وهذا هو الهدف المباشر للمشروع، ذلك أن عملية النشر والتوزيع تمثّل مشكلة مزعجة لكل مبدع، خاصة إذا كان في بداية الطريق. وبالفعل، فإن المشروع استطاع أن يستقطب، في مرحلته الأولى التي بدأ تنفيذها فعلاً منذ شهور، عدداً مهماً من المبدعين الإماراتيين، على أمل أن يستقطب الطاقات الشابة المبدعة جميعها في المراحل اللاحقة. وثانيها، العمل على تأسيس جيل من المبدعين تتوافر لهم فرص كبيرة لتقديم أعمال متميّزة في ظلّ الدعم المتوافر لهم من قبل الدولة. ثالثها، إضافة مزيد من الانتعاش للنهضة الثقافية التي تعيشها الإمارات، خلال المرحلة الحالية، ذلك أنه من المتوقع أن يعطي المشروع دفعة قوية لحركة التأليف. رابعها، تعزيز الوضع الثقافي للإمارات على الصعيدين العربي والدولي، ذلك أن المشروع قد أخذ على عاتقه تسويق النتاج الأدبي وترويجه عبر المشاركة في المعارض العربية والعالمية والفعاليات الثقافية المهمّة. خامسها، من المنتظر أن يسهم المشروع بقوة في التأصيل لتطوّر الدولة والمجتمع في الإمارات، وهذا جانب آخر لتعزيز الهوية الوطنية. سادسها، تطمح "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث" إلى تطوير المشروع ليشمل نشر النتاج الأدبي في الإمارات (للمقيمين العرب وسواهم)، إضافة إلى النتاج الأدبي في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، ما يعني أن المشروع يمكن أن يشكّل نواة حقيقية لإصدار كل ما يتعلّق بالأدب العربي من ببيلوجرافيات ومختارات وأنطولوجيات وترجمة أعمال مختارة من الأدب العربي إلى اللغات العالمية الحيّة في المستقبل القريب.