رغم الهدوء النسبي على الساحة الكويتية بعد إطلاق سراح جميع الموقوفين الموجهة لهم تهمة الانتماء لـ"حزب الله" وتأبين عماد مغنية بكفالة مالية، إلا أن درس الأزمة يتطلب تحليل ما حدث بموضوعية وحياد للاستفادة منه في معالجة قضية الأقليات في الكويت والخليج وكيفية التعامل معها مستقبلاً، وكيف تحول الانتماء إلى الدين والمذهب والطائفية، إلى اعتبار يتقدم على الانتماء للوطن أو القومية. لا يستطيع أحد معالجة الأزمة الأخيرة بموضوعية محايدة من دون معرفة الظروف التي أدت إليها وأحاطت بتطورها، كذلك التراكمات التاريخية التي أفرزت هذه المشكلة... ومن هنا يجب التساؤل: هل يمكن عزل حادث "تأبين مغنية" عن الدور المتنامي لـ"حزب الله" في كل من لبنان والخليج، وتزايد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وغزة والخليج؟ مخطئ من يظن أن الأزمة الطائفية في الكويت قد تم حلها بإطلاق سراح المحتجزين واحتمال تقديم البعض للمحاكمة، المشكلة ستبقى معنا ما لم نعالجها من جذورها وأسباب بروزها، بالتركيز على الحقائق بعيداً عن الأوهام والأحلام بعودة روح الأسرة الواحدة من خلال الوحدة الوطنية. من الحقائق التي علينا الاعتراف بها ومواجهتها هي وجود ميول متطرفة في بعض أوساط الشباب الكويتي وانسياقهم للأحزاب والحركات الدينية المتطرفة، سواء أكانت أحزاباً سنية مثل "الإخوان المسلمين" والحركة السلفية أو أحزاباً شيعية مثل "حزب الله" الكويتي. هذه الأحزاب المؤدلجة سياسياً دفعت بعض شباب الكويت للانخراط في العمل الجهادي في كل أرجاء المعمورة، ابتداء من البوسنة والهرسك مروراً بأفغانستان والشيشان وكشمير، وانتهاءً بالعراق اليوم، لقد قتل البعض منهم وعاد البعض الآخر لقيوم بعمليات إرهابية ضد القوات الأميركية في الكويت، وقد حدثت أكثر من مواجهة بين السلطة وهذه الجماعات المتطرفة. الشباب الكويتيون الشيعة ليسوا أفضل حالاً من السنة، فالبعض منهم تبنى أفكار الثورة الإسلامية في إيران وقد انخرط البعض منهم في عمليات إرهابية في السعودية أدت إلى مقتل حوالى 20 شاباً في مكة المكرمة عام (1978-1979). واليوم عاد بعض شباب الشيعة للانخراط في "حزب الله" وبعض الحركات الشيعية المتطرفة في العراق. ما نود قوله بصراحة هو أن تطرف الشباب الكويتي، سواء كانوا سنة أو شيعة، يعود إلى هيمنة تيارات الإسلام السياسي على الساحة الكويتية، فالأحزاب الدينية المتعصبة (أخوان مسلمين، حركة سلفية، وحزب الله) مزقت نسيج المجتمع الكويتي وخلقت انشقاقاً وفتنة في المجتمع لتحقيق مشاريعها الخاصة، وهذه الأحزاب لا تلتفت للمصالح الوطنية، خاصة أنها أحزاب ذات نزعة دينية متعصبة لا تحترم الآخر، وتكره وتكفر من يختلف عنها في المذهب. من المفارقات الغريبة في الأزمة الحالية أن التيارات السياسية الإسلامية المختلفة، تحالفت وشكلت جبهة ضد الحكومة في مجلس الأمة، لتحقيق أهدافها ومعارضة الحكومة في المجلس، مقابل صمت على الطرف الآخر، مما دفع بالنائب الدكتور حسن جوهر للتساؤل عن سبب حالة الصمت والتردد السلبية الملفتة لمعظم القوى السياسية الرئيسية إزاء تداعيات التباين وانحرافه إلى تصعيد سياسي خطير وتحوله إلى مادة دسمة للاصطفاف الطائفي. المطلوب من الحكومة الكويتية التركيز على مفهوم المواطنة وعدم مهادنة الإسلام السياسي، لأن سلامة الدولة والمجتمع تنبع من الإصرار على الدولة المدنية وحكم القانون.