"المستقبل العربي": الديمقراطية والمعالمة ----------- في العدد الأخير من مجلة "المستقبل العربي"، نطالع ثلاث دراسات رئيسية، أولاها بعنوان "العراق: طريق الخروج"، وفيه يعرض الكاتب البريطاني "جوناثان ستيل" أهم عوامل الأزمة المستفحلة في العراق حالياً، ويشرح سبب "فشل الائتلاف الذي تقوده أميركا"، ثم يقترح مخرجاً من وطأة الوضع هناك. ويرى الكاتب أن حل الجيش العراقي لم يكن الخطأ الأميركي الأكبر، بل كان الخطأ الأكبر هو الاستمرار في احتلال العراق إلى أجل غير مسمى، وتجاهل الأمم المتحدة، قبل الغزو وبعده. ولشفاء العراق وإعادة لملمته، يرى "ستيل" أن الشرط المسبق لذلك هو نهاية الاحتلال، وبالتوازي مع ذلك يتعين تنظيم مؤتمر وطني يشمل كافة قطاعات الشعب العراقي. أما من سيقوم بذلك، فهو الأمم المتحدة والجامعة العربية، واللتان يتعين عليهما في الوقت نفسه، كما يرى الكاتب، أن تحشدا دعماً مالياً لإعادة إعمار العراق. وفيما يخص الدراسة الثانية، فهي بقلم الدكتور توفيق إبراهيم، وعنوانها "العوامل الخارجية وتأثيراتها في التطور الديمقراطي في الوطن العربي"، وتتناول بالتحليل والتقييم طبيعة الدور الأميركي في إحداث التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، وحدود الرهان على ذلك الدور. ويؤكد الكاتب أن إنجاز تحول ديمقراطية لن يتحقق إلا بوجود قوى ديمقراطية فاعلة وحية، تؤمن بالمشروع الديمقراطي وتناضل من أجل تحقيقه. أما فيما يتعلق بالدور الأميركي، فيشير الكاتب الى عدة شروط ومتطلبات، أولها تغيير الولايات المتحدة استراتيجيتها في العراق، وسياستها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، فضلاً عن ضرورة اقتناعها بتعدد النماذج الديمقراطية، وبأن تحقيق التحول الديمقراطي في العالم العربي، يتطلب التزاماً أميركياً طويل المدى يعيد النظر في الخطط الحالية لنشر الديمقراطية. وتحت عنوان "الكاتب العربي والعولمة: عولة أم معالمة؟"، يخوض حميد قهوي غمار مصطلح العولمة ومفاهيمها، ويقوده ذلك إلى مصطلحي "العولة" و"المعالمة". فبحثاً عن شرح معجمي للعولمة، وصل الكاتب الى لفظة أخرى اعتبرها مقابلاً عربياً بليغاً للعولمة، هو "العولة"، وتعني معجمياً "رفع الصوت بالبكاء". بينما يشير بالمعالمة إلى الطريقة التي نتلقى بها العولمة. وهكذا يعرض قهوي للمعالمة العربية، بشروطها وعقباتها، وهو يرى أنها تختلف عن المعالمة الغربية، إذ أريد للمؤثرات العالمية في المنطقة العربية أن تطمس المؤثرات المحلية! ـــــــــــــــــــ Foreign Affairs العالم و"الركود" الديمقراطي قضايا سياسية عدة شملها العدد الأخير من دورية Foreign Affairs التي تصدر كل شهرين عن "مجلس العلاقة الخارجية" الأميركي. وتحت عنوان "التراجع الديمقراطي"، كتب "لاري دايموند" مقالاً استنتج خلاله أن العالم ، وبعد عقود من المكاسب التاريخية، يشهد حالة من الركود الديمقراطي، فثمة تهديدات تتعرض لها الديمقراطيات الناشئة، وهو أمر يمكن معالجته عبر معايير صارمة لضمان الحُكم الصالح وفرض شروط على المساعدات التي يقدمها الغرب للبلدان النامية وربط هذه المساعدات بالديمقراطية. "دايموند"، وهو زميل رئيس بمعهد "هوفر"، ومؤلف كتاب "روح الديمقراطية: الصراع من أجل بناء مجتمعات حرة حول العالم"، أشار إلى أنه منذ عام 1974 حدثت تحولات صوب الديمقراطية في أكثر من 90 دولة، وبعدها أصبح قرابة 60% من بلدان العالم تتمتع بالديمقراطية، وخلال تسعينيات القرن الماضي شهدت المكسيك وإندونيسيا تحولات ديمقراطية، والأمر نفسه ينطبق على جورجيا وأوكرانيا حيث "الثورات الملونة"، وفي العالم العربي، وخلال عام 2005، أجبرت القوى الديمقراطية اللبنانية سوريا على سحب قواتها من بلاد الأرز، كما صوت العراقيون من أجل انتخاب برلمان تعددي للمرة الأولى منذ قرابة نصف قرن. لكن يبدو أن الاحتفال بانتصار الديمقراطية في العالم لا يزال سابقاً لأوانه، فخلال السنوات القليلة الماضية شهدت بلدان مهمة تراجعات في التحول الديمقراطي تشمل نيجيريا وروسيا وتايلاند وفنزويلا وبنجلادش والفلبين. وفي ديسمبر 2007، أسفر التلاعب في انتخابات الرئاسة الكينية عن انتكاسة تمخضت عنها موجة عارمة من العنف. وفي جنوب آسيا، أصبحت الهند بلداً ديمقراطياً تحيط به مجموعة دول غير مستقرة وغير ديمقراطية. وحتى في البلدان التي مرت بقصص نجاح ديمقراطية كتشيلي وغانا وبولندا وجنوب أفريقيا، أصبحت أمام مشكلات خطيرة تتعلق بطريقة الحكم وتتمثل في وجود جيوب من الساخطين. وفي العالم العربي ثمة تراجع في طموحات التحول الديمقراطي، إما بسبب الإرهاب والعنف الديني، كما في الحالة العراقية، أو بسبب التدخلات الخارجية، كما هو الحال في لبنان، أوبسبب أنظمة مستبدة. وفي مقاله المعنون بـ" أميركا المرنة"، رأى "ستيفن فلاين" أن أجواء الخوف والإحساس بفقدان القوة الناجميْن عن التهديدات الإرهابية والكوارث الطبيعية، يلحقان الضرر بالقيم الأميركية ويؤججان ما أسماه الكاتب بـ" الديماغوجية السياسية"، والحل يكمن في إعادة بناء مجتمعٍ أميركي مرن قادر على الاستجابة للتحديات الراهنة. الكاتب، وهو زميل في وحدة الدراسات الأمنية بـ"مجلس العلاقات الخارجية" تطرق إلى البنى التحتية في الولايات المتحدة، خاصة المعنية بمواجهة حالات الطوارئ، فوجد أن معظمها لا يتم تمويله بالشكل الذي يجعل هذه المؤسسات قادرة على أداء مهامها الروتينية، وفي يونيو عام 2006 أصدرت وزارة الأمن الداخلي تقريراً مفاده أن 25% فقط من خطط الطوارئ على مستوى الولايات تعتبر كافية للتصدي للكوارث الطبيعية، حيث أن 9 من بين كل 10 أميركيين معرضون لخطر الزلازل والبراكين والأعاصير وحرائق الغابات.