صمتٌ على ما يحدث في فلسطين اعتاد عليه العرب، ولكن ما يحدث من شناعة في التنكيل وبشاعة في الجريمة ليس لصالح صف الاعتدال العربي. فما يحدث على أرض الواقع يُحرك كل بؤر العنف، ويدفع الآخرين إلى الحماقة، وسنجد أنفسنا مرة أخرى في دائرة المواجهة مع العنف الذي تقوده الجماعات الراديكالية الدينية، وستجد هذه الجماعات فرصتها في حشد قواها وفي تنظيم الكثير من شبابنا وتدفعهم نحو ثقافة الموت. ما يحدث على أرض الواقع هو تصفية كاملة للمقاومة الفلسطينية، تتناقض مع الوعود الدولية والعربية في الوصول إلى صيغة السلام والدولة الفلسطينية، وهو تعبير عن حالة التردي والانهزام التي يعيشها العرب، ولا يكفي أن تتنادى الدول العربية وتتشاور وتصدر بياناتها المملة، والتي فقدت معناها منذ عقود، وربما على جناح الاعتدال العربي أن يعيد سياسته نحو كثير من المسلمات، وعليه أن يعي أن ما يحدث على أرض الواقع هو تعبئة مقصودة ضد كل من يرفع شعار الاعتدال. صف الاعتدال على علاقة مع الصديق الأميركي، ولكن يبدو أن الصديق الأميركي غير عابئ بنجاح الاعتدال كقوة جديدة تنهض بالمنطقة أو ربما هناك ما هو خفي لا نعلمه، يدفع الاعتدال بأن يكتفي ببيان هنا وهناك وكان الله غفوراً رحيماً. الصديق الأميركي مازال على قناعاته، وما زال لا يثق إلا بالحليف الإسرائيلي، وعلى قناعة بأن صف الاعتدال منقسم على نفسه، ولا يشكل قوة حقيقية تدعوه لتغيير السياسة الأميركية. نحن ندرك أن اختلاف الأجندات الفلسطينية، هو نقطة الضعف، والتنظيمات الفلسطينية تتحمل المسؤولية حيال ما يحدث، ولكن في هذه المعركة لن تكسب "حماس" أو السلطة، حيث الكل سيخرج عن نطاق السيطرة، والكل سيندفع نحو الهيجان، وربما تتعقد الظروف على مستوى القطر الواحد، وتجد دول الاعتدال نفسها أمام مواجهات جديدة. وفي هذه المعركة ستكسب إيران وسوريا و"القاعدة"، وستجد هذه الدول والتنظيمات نفسها أمام واقع مليء بالحقد والحنق، وستجد هذه القوة فرصة جديدة لنشر أفكارها، وهذا ما لا يريده الاعتدال أن يتحقق. السلام العربي مع إسرائيل حقيقة، والمملكة العربية السعودية أعلنت ذلك أكثر من مرة في مبادرتها، وعلى العرب المنادين بالسلام أن يعوا خطورة الوضع حيث المتغيرات على أرض الواقع، تؤكد عدم الرغبة الإسرائيلية في سلام حقيقي، ولا يبدو أن الغرب على قناعة بأهمية السلام كمدخل لحل أزمات المنطقة العربية، مما يؤكد غياب الجدية في معالجة قضايا المنطقة. ما يحدث في فلسطين سيقود إلى تعقيد الوضع اللبناني والعراقي، وسيفجر أوضاعاً جديدة ويخلق معارك مختلفة في دول أخرى، وهذا يعني أن هناك خللاً كبيراً في نهج السلام. وعلى الصديق الأميركي أن يعي بأنه يلعب بالنار، وأن سياسته ستزيد من الاحتقان والكراهية، وستجد الجماعات الدينية الراديكالية فرصتها في فرض سياساتها، وقد تقودنا إلى حماقة أشد من حماقة 11سبتمبر. السلام لا يمكن أن يتحقق في ظل خلل معادلة القوة بين الاعتدال وإسرائيل، فهي دولة مازالت تعتمد منطق القوة وغير مبالية بعواقب الأمور إلا إذا كانت هناك أمور نجهلها. فمعنى ذلك أن نهج الاعتدال شريك بما يحدث، وهو أمر في غاية الخطورة حيث الراديكالية هي البديل الذي سيكسب على أرض الواقع. المملكة العربية السعودية عليها مسؤولية تاريخية، وهي الدولة ذات الثقل العربي والإسلامي، وربما عليها أخذ المبادرة على مستوى العالم الإسلامي لوقف الهيجان الإسرائيلي. ونعتقد أن المملكة العربية السعودية تملك الكثير ونتمنى على القيادة السعودية الحكيمة بأن تقرأ أرض الواقع بعناية لكي لا تفلت الأمور من زمامها.