ورد في الأخبار أن محكمة إيرانية حكمت على زوج بخيل لم يدفع مهراً لزوجته, أو لنقل إنه أخذ يماطل في دفعه بعد الزواج بسبب بخله وتقتيره الشديدين, حكماً رومانسياً مكلفاً مادياً لتأديبه, وينص الحكم على أن يدفع هذا الزوج البخيل مهر الزوجة بشكل مادي يتمثل في تقديم 124 ألف وردة! وقد رفض الزوج هذا الحكم بحجة أنه لا يستطيع سوى شراء خمس وردات في اليوم الواحد, فما كان أمام القاضي سوى مصادرة شقته البالغ ثمنها 33 ألف جنيه. وورد في الخبر أن سعر الوردة في طهران يعادل جنيهاً أسترلينياً وتسعة "بنسات". وبحسبة بسيطة يتبين أن سعر المهر أكثر من سعر الشقة بسبعة أضعاف على الأقل! وهذا من عجائب العجم. والطريف في الموضوع أنه في حال رفضه تنفيذ الحكم سيتم إيداعه السجن حتى يدفع ما عليه من ديون المهر... وأعتقد أن الخبر "واسع حبتين", يعني لا يدخل الدماغ ولا يتقبله عاقل. إذ لا يعقل أن بلداً فقيراً مثل إيران يمكن أن يبلغ فيه سعر الوردة الواحدة جنيهاً إسترلينياً وتسعة "بنسات", لأن هذا يعادل سعر الوردة في بريطانيا نفسها, ومستوى المعيشة في إيران بشكل عام أقل بكثير من نظيره في بريطانيا, وبالتالي فالخبر لا يخلو من مبالغة غير محمودة. السؤال الذي طرأ على البال هو: ماذا تستفيد الزوجة من مثل هذا الحكم الأخرق؟ فالورد لا يمكن تخزينه, ويموت بسرعة خلال بضعة أيام, والوسيلة الوحيدة لحفظه تكون بتجفيفه, وهو أمر صعب, فضلاً عن الشك في قدرة تحقيق الحكم في يوم واحد, إذ لا يعقل توفر هذا العدد الكبير من الورد في نفس الوقت. لكن الطريف في الموضوع أن هذا الحكم يدل على رومانسية لا يعرفها القضاة العرب أو السُّنة, حيث لا يعترف معظم العرب بـ"عيد الحب", أو "فالنتاين دي", حيث يتهادى الأحباب, حقيقة أو تمثيلاً، بعض الورود والهدايا غالية الثمن سعراً, والتايوانية صناعةً, يعني ضحك على الذقون. ومما لاشك فيه أن أمثالنا ممن تجاوزت "خدماتهم" الزوجية ما فوق حكم المُؤبَّد (يعني أكثر من خمس وعشرين سنة) نادراً ما يتهادون الورود, يمكن عشاء فاخر, لكن ورد... (آي داوت)! ومن السخرية بمكان أنه في حين يحكم القاضي الإيراني مثل هذا الحكم الرومانسي غير المنطقي, نجد ما يقابله مخالفة, كالفقيه الذي حرّم تهادي الورود، خاصة للمرضى، لأنها بزعمه, مضْيعة للمال. صحيح أهل نجد ما عندهم رومانسية. وبالمناسبة شاهدت قبل فترة فيلماً وثائقياً عن الطلاق في إيران, ووجدت أن القاضي الإيراني متسامح جداً مع النساء "طويلات اللسان", وعليهم (أقصد القضاة ) طول بال غير محدود في مواجهة لسان المرأة. لكن العامل المشترك بين قضاتهم وقضاتنا أن المرأة دائماً مظلومة, أو يوجد ضدها تمييز عنصري يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان. في جميع الأحوال, هذا الحكم ظريف ودمه خفيف, ولنتخيل أن القاضي وقد أجبر الزوج على تنفيذ الحكم, كيف سيتم تطبيقه؟ ستكون هناك فرصة كبيرة للزوج للتملُّص من استكمال تنفيذ الحكم لعدم القدرة على تنفيذه في وقت قصير نسبياً, وستكون فرصة للزوج لكي يعطِّل الحكم. ولو كنت مكان الزوج, لملأت البيت بالسماد والتراب ورميت بذور الورد لكي تنبت, وجلست مع زوجتي في العراء, وهي الخاسرة في جميع الأحوال.