حين ألقي القبض على مارشال الجو النازي "هيرمان جورنج"، قال له ضابط الاتصالات اليهودي النمساوي "جيلبرت": ما تقول فيما أنت عليه؟ وبماذا تجيب عن لائحة الاتهامات ضدك؟ وكانت القائمة طويلة، تولت توجيهها أربعة فرق من روسيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة؟ أمسك "جورنج" القلم وكتب جملة واحدة فقط، وهي تكرار جملة الفيلسوف اليوناني "هيرقليطس" عن الحرب والأقدار: "حين تنتهي المعركة فيهزم من يهزم، وينتصر من ينتصر، يصبحان فريقين: المهزوم يكون فيها المتهم. والمنتصر هو القاضي..". والويل للمغلوب.. كما كان جزّارو روما يرددون مع هولوكوست قرطاج. هذا الكلام ليس دفاعاً عن المارشال النازي "جورنج"، ولا المارشال البعثي "مخلوف"؛ فكلاهما ينتمي لحزبه. وحين جاءني خبر الحجز على أموال "رامي مخلوف"، قلت إن الأميركيين تأخروا نصف قرن، لأنهم من ساهم في صناعة الأوضاع، وهم لن يزيدوها إلا بؤساً، وهم يبحثون عن مصالحهم أكثر من مصالحنا، ولا ضير ولا عيب في ذلك، ويجب ألا نلوم الشيطان؛ فهو ينتصب يوم القيامة فيقول: (إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم). ولذا علينا ألا نلوم القيادي البعثي مخلوف، ولا الأميركي، ولا الشيطان فكل منهم له أعذاره. وبالطبع كانت محكمة "نورمبرج" للنازيين مهزلة، إذ قدمت رؤوس النازيين للمقصلة، وأبقت على رأسي الثنائي؛ ستالين أبو المهالك، وترومان أبو القنبلة الذرية التي أشعلت محرقة الهولوكوست في هيروشيما وناجازاكي. إن التاريخ يكتبه الأقوياء إلى حين ولادة الضمير الإنساني الذي هو في غيبة وغيبوبة، ولذا ملئت الأرض ظلماً وصراخاً. وإذا كان مخلوف قد غضب عليه الجبار الأميركي، وسود صحائفه، وجمد أمواله، فلا شك أنه أوعز له قبل وقت أن "يجير" أمواله، كما في سورة النور، إلى حساب آبائكم أو أمهاتكم أو إخوانكم أو أخواتكم أو أعمامكم أو عماتكم أو أخوالكم أو خالاتكم أو صديقكم، أن تأكلوا أموال الشعب جميعاً أو أشتاتاً. وهكذا فالحقائب مترعة باليورو والين والدولار الكندي والأميركي، والحسابات في حساب الجماعة والقرابة من المحاسيب المخلوفين. وإذا كانت أميركا تحكم العالم اليوم، وفي جعبتها بنو إسرائيل، فإن العالم لم يكن ليصبح أفضل حالاً لو انتصر النازيون، والفرق بين النازيين الجدد ونازيي الحرب العالمية الثانية، مقدار شعرة. وهكذا فالعدل الأميركي سراب، والعدالة الغربية في قرار الفيتو حين يصب في مصلحة أصحاب الامتيازات. وحين يغضبون على أحد ففي ذلك الوقت يستبدلون من هو أدهى بمن هو أمر.. ولنتذكر ما حدث، تم الحجر على عقل رئيس عربي، حيث فرح البعض، فقلت لهم انتظروا ولادة طائر الفينيق. ومخلوف اليوم قد يغير اسمه وشكله، ويحمل جواز سفر باسم آخر، وتصب الأموال في حساب سري جديد، وبإيعاز من أميركا وتحت سمعها وبصرها، لحماية الأصدقاء السابقين. فليستبشر المعذبون في الأرض، والمنهوبون في العالم العربي، بطول السلامة والرفاه الاقتصادي. وهذه العينة من الأمراض، لا تقتصر على ساحل سوريا، بل هي ظاهرة عامة على مفاصل العالم العربي، ومخلوف وخلف وخالف ومخالف... كلهم إخوان وأبناء وطن واحد. لقد علقت مجلة "شبيجل" الألمانية على هذه الأوضاع، قائلة إن معاناة الناس ليست بسبب مافيا داخل الدولة، بل لأن كل الدولة مافيا كاملة متكاملة.