تشكل الاكتشافات الأخيرة في علم الفلك والتي رُصدت بموجبها كواكب جديدة تدور حول نجوم بعيدة، فضلاً عن احتمال العثور على أشكال غير متوقعة داخل منظومتنا الشمسية، فرصة جديدة لإعادة النظر في مجرة درب اللبانة والتعامل معها بطريقة تختلف عن السابق. وفي خضم هذه الاكتشافات الفلكية الجديدة، تنهار العديد من الأفكار السابقة حول طبيعة المنظومة الشمسية ومكان تواجد الكواكب القابلة للحياة. وتأتي هذه الاكتشافات أيضاً لتخلخل بعض القناعات التقليدية حول تعريف الكوكب، وذلك رغم المحاولات المبذولة من قبل العلماء لحسم هذا الموضوع. وفي هذا الإطار يقول "ديفيد موريسون"، العالم البارز في الوكالة الأميركية لعلم الفلك: "في نظامنا الشمسي كان حجم الكواكب يلعب دوراً محدداً في إطلاق التعريفات وتشكيل بعض الأفكار، لكننا ونحن ننظر إلى منظومات شمسية أخرى لا يوجد ما يؤكد أهمية الحجم والشكل، لأننا سنكتشف أشكالاً مختلفة من الكواكب وبأحجام متباينة، وهو ما يضفي على الأمر أهمية كبيرة". وفي هذا السياق، تم الإعلان مؤخراً عن اكتشافين يشيران إلى احتواء مجرة درب اللبانة على العديد من الأنظمة الشمسية الأخرى الشبيهة بالنظام الذي يستضيف كوكب الأرض. فقد عثر فريق من علماء الفلك على نظام شمسي شبيه بنظامنا الخاص وإن كان أقل منه حجماً، حيث رصد العلماء كوكبين يدوران حول نجم يبعد عنا بحوالي 5 آلاف سنة ضوئية. وفي حين لا يصل النجم الذي يدور حوله الكوكبان إلى مستوى الشمس من حيث الحجم والطاقة المنبعثة، فقد أفاد العلماء أن الكوكبين أيضا أصغر في حجمهما من المشتري وزحل. لكن بعد حساب الفارق أكد العلماء أن الكوكبين يدوران حول النجم على ذات المسافة التي يدور بها المشتري وزحل حول الشمس، فضلاً عن التشابه في درجة الحرارة. وقد نشرت النتائج التي توصل إليها الفريق العلمي التابع لجامعة "أوهايو" الأميركية برئاسة عالم الفلك "سكوت جودي" في العدد الأخير لمجلةScience . أما الفريق الثاني، فقد عثر على أدلة تؤكد تشكل كواكب صخرية حول أعداد مهمة من النجوم الشبيه بالشمس والتي تبعد عن مجرتنا بـ163 سنة ضوئية. وباستخدام مسبار "سبيتزر" التابع لوكالة الفضاء الأميركية (NASA)، توصل العلماء إلى أن 20% من 328 نجماً درسها الفريق العلمي تحيط بها هالة من الغبار تُثبت تشكل كواكب صخرية بالقرب من تلك النجوم. لكن السؤال الذي يثيره "مايكل ماير"، عالم الفلك من جامعة أريزونا، والذي ناقش مع فريقه النتائج التي توصل إليها في الاجتماع السنوي لجمعية تطوير العلوم ببوسطن هو التالي: "كم من المنظومات الشمسية الشبيهة بنظامنا توجد في الفضاء الفسيح؟" وبالنظر إلى العدد الكبير من النجوم التي تدور حولها كواكب، أو أجسام فضائية، فمن غير المستبعد أن تكون هناك أنظمة شمسية جديدة في طور التشكل. ويلاحظ الدكتور "مايرز" أن وجود كواكب صخرية تدور في فلك نجوم بعيدة لهو دليل كاف على قرب انبثاق حياة جديدة على سطحها. ومن جهة أخرى يشير العلماء إلى الدور الذي تلعبه جاذبية الكواكب في إبقاء الأجسام الفضائية في مدارها، فضلاً عن الحفاظ على المذنبات في مسار واحد. غير أن هذا المسار الخاضع للجاذبية قد يدفع الأجسام إلى الارتطام بالكوكب ذاته، وفي هذه الحالة سيتم تدمير الكوكب بمن عليه، لكن مع سقوط جزيئات تحمل الحياة مثل الماء المتجمد، ومواد كيماوية أخرى قد تنشأ الحياة في كواكب أخرى. وإذا كان البحث عن كواكب جديدة خارج نظامنا الشمسي مدفوعا في جزء كبير منه بالرغبة في اكتشاف منظومات شمسية شبيهة لمنظومتنا، إلا أنه في خضم ذلك يكتشف علماء الفلك مجموعة متنوعة من الأنظمة التي لا تتفق مع التصنيف التقليدي للمجموعات الشمسية المعروفة. وفي هذا الإطار تقول "ديبرا فيشر"، إحدى عالمات الفلك التي تبحث عن الكواكب الجديدة: "خلال الإثنى عشر عاماً التي قضيتها في رصد الكواكب وصلت إلى نتيجة أن التنوع الشديد هو القاعدة التي تحكم الكواكب". وفيما يبحث العلماء عن أوجه التشابه والاختلاف بين نظامنا الشمسي والأنظمة الجديدة المكتشفة تشهد التصورات القديمة حول مجرة درب اللبانة العديد من التغيرات. وفي هذا الصدد يقول "آلان شتورن"، العالم الفلكي في جامعة أريزونا إن الفكرة التقليدية عن مجرتنا الشمسية من أنها تتكون من أربعة كواكب داخلية، وكتل غازية عملاقة، فضلاً عن كوكب بلوتو هي "غامضة في أحسن الأحوال". فمع اكتشاف "حزام كوبير" الذي يتكون من مواد متجمدة بعيدة عن كوكب المشتري والتكهنات الحالية بوجود سحابة ضخمة من المواد المتجمدة المنتشرة خارج الكوكب ذاته، يرى "آلان شتورن" أن ما كان يُعتبر في السابق نظاماً شمسياً خارجياً، هو في الواقع نظام شمسي وسيط. والأكثر من ذلك يُعتقد الآن أن العديد من الكواكب مثل عطارد، وأورانوس، والمشتري، وعلى خلاف التصورات السابقة، تشكلت في أماكن بعيدة عن مدارها الحالي. هذا الانتشار المديد للكواكب وتشكلها في مواقع بعيدة قبل أن تنتقل إلى مداراتها الحالية يدفع العلماء إلى الاعتقاد أنه مع تطور التكنولوجيا وظهور أجيال جديدة من التلسكوبات، فإنه قد تكتشف أجسام جديدة خارج نظامنا الشمسي. بيتر إن. سبوتس كاتب أميركي مختص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"