عاد العنف والدمار والقتل إلى منطقة شمال العراق مرة أخرى بعد أن عاود "حزب العمال الكردستاني" نشاطه في شهر أكتوبر من العام الماضي. الجميع تعاطف مع الأكراد، خصوصاً ما حصل لهم إبان حكم صدام حسين، حيث حصلت عدة مذابح بحق هذا الشعب الطيب كانت أبرزها مجزرة حلبجة عام 1988. حظي الأكراد بعد حرب تحرير الكويت بوضع آمن ومستقر في شمال العراق، حيث كانت المناطق الكردية تخضع للحماية الأميركية، وقد ساعد الاستقرار النسبي لشمال العراق في إقامة حكومة وبرلمان وأحزاب كردية، وأصبح لهم استقلال ذاتي يحسدهم عليه بقية الشعب العراقي. لقد تحسن وضع الأكراد أكثر بعد تحرير العراق عام 2003، وبسبب موقفهم المؤيد للولايات المتحدة حظي إقليمهم بامتيازات كثيرة لم يحصل عليها بقية العراقيين، مثل إعادة إعمار مناطقهم وتدفق الاستثمارات الأجنبية عليهم، حيث ساعد الاستقرار الأمني على ذلك. داخل العراق تحالف الأكراد العراقيون مع الشيعة وأصبح لديهم الأغلبية في البرلمان العراقي، مما ساهم في انتخاب رئيس الجمهورية منهم وفي تعيين وزير خارجيةٍ كرديٍ أيضاً. الإشكالية التي يواجهها الأكراد اليوم في العراق هي طموحهم القومي بإقامة دولة قومية كردية خاصة بهم، تمهيداً لتحقيق دولة كردستان الكبرى، وهو حلم الأكراد الكبير. تاريخياً، كانت كردستان ساحة صراع دامية بين الإمبراطوريات القديمة، فالصراع بين الإمبراطوريتين الفارسية والمقدونية دام أكثر من قرنين (550 ق. م -330 ق. م)، ودخلت كردستان الإسلام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبعدها جاء الصراع الصفوي- العثماني كمقدمة لتقسيم كردستان منذ 500 عام. وبدخول الاستعمار الغربي للمنطقة تم تقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء، وتوزع الأكراد في كل من تركيا والعراق وإيران وسوريا، وتحولوا من أغلبية في موطنهم إلى أقلية في الدول الجديدة، وتم اضطهادهم وتشريدهم. اليوم، وبعد ما يشبه الاستقلال الذي يتمتع به أكراد العراق، عادت المفاهيم القومية الكردية القديمة مرة أخرى، عبر مطالبة أكراد العراق بضم مدينة كركوك... وحتى الموصل أيضاً، إلى إقليمهم، مما أثار العرب في العراق والمنطقة العربية كلها. كما دعم أكراد العراق وأحزابُه القومية، "حزب العمال الكردستاني" الذي يقوم بعمليات إرهابية داخل تركيا، مما دفع هذه الأخيرة للدخول في شمال العراق لملاحقة العصابات الإرهابية. ولقيت هذه الخطوة قبولاً من الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي للأكراد والعديد من الدول العربية والأوروبية. أكراد العراق اليوم يشتكون من برودة رد فعل الحكومية العراقية. لكن الحكومة المركزية في العراق حالياً، ضعيفة لا تستطيع حماية نفسها... فكيف يمكنها حماية شمال البلاد؟ وهي تعرف تماماً بأن المتسبب الرئيسي للاجتياح هم الأكراد العراقيون الذين استضافوا "حزب العمال الكردستاني" وسمحوا له بمهاجمة دولة مجاورة وصديقة. يعرف الأكراد بأن ما قاموا به هو تجاوز لسيادة العراق واعتداء صارخ على تركيا... فإذا كان "حزب العمال الكردستاني" لديه مشكلة مع حكومته، فعليه العمل داخل تركيا لحل المشكلة سلمياً بينه وبين حكومة أنقرة... لكن غير مقبول إطلاقاً زج الشعب العراقي وحكومته والمنطقة ككل، في مغامرة تحقيق حلم الدولة القومية الكردية، في ظل متغيرات إقليمية ودولية لا تسمح مطلقاً بإقامة دولة كردية.