الأكثر لفتاً للانتباه من فوز السيناتور باراك أوباما في الانتخابات التمهيدية لترشيحات الحزب "الديمقراطي" في كل من ولايتي فرجينيا وميريلاند ومقاطعة كولومبيا، الذي أضاف به ثماني دوائر انتخابية أخرى إلى سلسلة انتصاراته منذ معركة "الثلاثاء الكبير"، هو اتساع هامش التأييد الذي حظي به من قبل الناخبين، مقارنة بمنافسته هيلاري كلينتون. وبتقدمه عليها كذلك في حصد تأييد مندوبي الحزب بفارق 1223 إلى 1198 حسب الإحصاءات التي بثتها وكالة "أسوشيتد برس"، يكون قد تجاوزها بهامش يقارب 2 إلى 1 في فرجينيا وميريلاند، و3 إلى 1 في مقاطعة كولومبيا. وعليه فإنه يمكن القول إن أوباما قد تمكن من إظهار جاذبية كبيرة لناخبي هيلاري كلينتون حتى في الدوائر الانتخابية التي تعد معقلاً لتأييدها هي بالذات. كما أشارت استطلاعات الرأي التي بثتها شبكة "سي إن إن" إلى أن أوباما لم يحرز فوزاً ساحقاً على منافسته هيلاري في أوساط الناخبين السود في فرجينيا وميريلاند ومقاطعة كولومبيا فحسب، بل تغلب عليها حتى في حصد أصوات النساء ومختلف شرائح وفئات المهنيين، فضلاً عن حصده أكثر منها أصوات الطلاب والناخبين البيض أيضاً. ولعل الأكثر لفتاً للاهتمام حسب نتائج استطلاعات الرأي العام التي بثتها شبكة "سي إن إن"، فوز أوباما بنسبة 45 في المئة من تأييد الناخبين اللاتينيين له، مع العلم بأن هذه هي القاعدة الانتخابية التي يعتقد أنها أقل حماساً لترشيحه للمنصب الرئاسي. ومع اتجاه التنافس بين المرشحين "الديمقراطيين" على حصد تأييد مندوبي الحزب إلى كل من ولايتي وسكونسن وهاواي يوم الثلاثاء المقبل، ثم ولايات تكساس وأوهايو ورود آيلاند وفيرمونت في الرابع من مارس المقبل، فربما يؤدي عجز هيلاري عن دحر مد أوباما الانتخابي الجارف إلى وضع حملتها في مأزق حرج للغاية. فمنذ عودتها مرة ثانية إلى حلبة التنافس بفوزها في ولاية نيوهامشير، ثم احتلالها المركز الثالث في انتخابات "أيوا"، يلاحظ أن الاتجاه العام للتنافس يسير ضدها. ولم تتمكن "هيلاري" من البقاء فوق مد التيار الانتخابي حتى هذه اللحظة، إلا بفضل فوزها في الولايات الكبرى الثلاث الأكثر غنى بأصوات كبار مندوبي الحزب "الديمقراطي" في نيويورك وكاليفورنيا ونيوجيرسي. وها هي الآن في أمسِّ الحاجة لتكرار تجربة الفوز بتأييد هؤلاء المندوبين لها في كل من تكساس وأوهايو، حتى يتسنَّى لها كبح جماح أوباما. وعلى رغم أن حملة ترشيحات الحزب "الديمقراطي" قد تجاوزت كثيراً المرحلة التمهيدية المتعلقة بتقدير مدى قدرة المرشحين المحتملين على صعود سلم التأييد الانتخابي، إلى مرحلة حصد دعم مندوبي الحزب بلوغاً إلى رقم 2025 مندوباً الواجب الحصول عليه للفوز بالترشيح الحزبي، إلا أن التقديرات لا تزال مستمرة على صعيد الإعلام المصاحب للحملة الانتخابية. وهنا أيضاً تشير الرسائل الإعلامية المبثوثة إلى خسارة هيلاري كلينتون أمام منافسها أوباما. فبعد أن كان محتوى الرسائل الإعلامية هذه يشير سابقاً إلى فوز مؤكد لهيلاري، ها هي الرسائل نفسها تثير اليوم غباراً كثيفاً من الشك حول مدى توقعات نجاح حملتها. ويعود جزء من هذا الاستقطاب الحاد إلى التباين الكبير بين المرشحين المتنافسين. فكلاهما يتمتع بقدرة مذهلة على حشد المواكب الشعبية لصالح حملته، فضلاً عن إظهار كليهما لمهارات خطابية بارعة. وبينما تستمد هيلاري قدرتها في هذا الجانب، من حشد الحقائق واستدعاء خبرتها السياسية العملية، يلاحظ تعويل أوباما على مهارات الخطابة الحماسية واستدعاء التجارب المُلهمة في التاريخ الأميركي. لكن مع تقدم الحملة من ولاية إلى أخرى بكل هذه السرعة المذهلة، فقد طالت الشكوك تأكيدات هيلاري المتكررة لقدرتها على شغل المنصب الرئاسي على أتم وجه منذ اليوم الأول لها في البيت الأبيض. وفي المقابل تمكن أوباما من إلهاب حماس الناخبين بخطابيته العاطفية الدافئة عن التغيير، في إطار حملة ينظر فيها إلى الماضي في تضاده وتعارضه مع المستقبل. كما لا يصب في صالح حملة هيلاري، تعقيد توزيع أنصبة المرشحين من تأييد مندوبي الحزب في هذه المرحلة التمهيدية من الانتخابات، حيث يتم هذا التوزيع وفقاً لقوة تصويت كل منطقة من مناطق نفوذ أعضاء الكونجرس. ففي هذا التعقيد ما يقلل فرص هيلاري كلينتون في الفوز بتأييد الولايات الكبرى. وبسبب هذا التنافس المحتدم بين مرشحي الحزب من أجل كسب تأييد مندوبيه في شتى الولايات، لا ريب أن تأييد كبار المندوبين لأي منهما يكتسب دوراً حاسماً في تحديد النتيجة النهائية التي سيسفر عنها سباق الترشيح الحزبي الحالي، في النهاية. وفي هذا الجانب يشير القسم الأعظم من الإعلام إلى تقدم هيلاري على منافسها أوباما في حصد أصوات كبار مندوبي الحزب. بيد أن حجة وجيهة أثيرت هنا مؤداها أنه لا ينبغي لأصوات كبار مندوبي الحزب أن تعبر عن موقف متعارض مع الإرادة الشعبية للقواعد الحزبية التي تم التعبير عنها من خلال الحملة الانتخابية العامة، وفي الدوائر الحزبية أيضاً. بل الصحيح أن تنسجم مواقف كبار مندوبي الحزب وهذه الإرادة. وإذا ما تحققت هذه الحجة على أرض الواقع، فإنها لاشك تصب في صالح أوباما وليس منافسته. وإثر بروز جون ماكين في حملة ترشيحات الحزب "الجمهوري"، فقد اتجهت غالبية استطلاعات الرأي العام لصالح أوباما، طالما نظرت هذه الاستطلاعات إلى منافسته هيلاري باعتبارها عنصراً مشتتاً لمواقف الحزب ووحدته الانتخابية. كما أخذت عليها استطلاعات الرأي تصويتها لصالح استخدام القوة في العراق. وهذا ما يعول عليه أوباما في قدرته على الانقضاض على جون ماكين فيما يتعلق بمسألة الحرب هذه، فيما لو خاضا معاً السباق الانتخابي الفاصل في خريف العام الحالي. ومن خلال تكرار ظهور المتنافسين الرئيسيين الثلاثة عبر شاشات التلفزيون، فقد أصبح لزاماً على هيلاري وجون ماكين معاً، خوض ما يلزمهما من صراع للوقوف أمام جاذبية أوباما وشبابه الدافق. والحيوية سر إضافي من أسرار تلك الجاذبية. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"