يمثّل التعليم الجامعي الخاص ركناً أساسياً من أركان المنظومة التعليمية في الدولة، وقد تطوّر هذا النمط من التعليم العالي، خلال السنوات القليلة الماضية، بشكل لم يكن متوقعاً، حيث شهدت هذه السنوات ارتفاعاً كبيراً في الطلب على التعليم العالي، تفاعلاً مع متطلّبات الطفرة التنموية في البلاد، والتي نجم عنها أيضاً تزايد ملحوظ في أعداد الوافدين، ولأن مؤسسات التعليم العالي الحكومية تقبل الطلبة المواطنين فقط، فقد نشأت مؤسسات تعليمية خاصة لاستيعاب أبناء الوافدين. وربما كان هذا هو أحد الأسباب الرئيسة لظهور مؤسسات التعليم الجامعي الخاص، ولكن هذه المؤسسات استطاعت اجتذاب نسبة لا بأس بها من أبناء المواطنين في ظلّ امتلاك بعضها لمميزات نسبية غير متوافرة في التعليم العالي الحكومي، مثل بعض التخصّصات العلمية الجديدة، أو أن هذه التخصّصات قائمة بالفعل ولكنها محدودة، فضلاً عن المرونة التي تدار بها هذه المؤسسات. وعلى الرغم من أن بعض مؤسسات التعليم الجامعي الخاص في الدولة مرتبط بمؤسسات تعليمية أجنبية ذات سمعة عالمية، وتقدّم برامج تعليمية متميزة في عدد من المجالات منها، العلوم الإنسانية والأعمال وتقنية المعلومات، فإن هذا النمط من التعليم به مشكلات متعدّدة، الأمر الذي يستلزم بالضرورة ضبط أوضاعه على نحو جذري، خاصة بعد أن بات يمثّل شريكاً أساسياً في التعليم العالي، الذي يدور جدل في المرحلة الحالية حول ضرورة تطويره، على النحو الذي يواكب التطوّرات المتسارعة التي تشهدها الدولة على صعيد عملية التنمية خلال المرحلة الحالية. وفي سياق الحديث عن أولويات ضبط أوضاع التعليم الجامعي الخاص بشكل جذري، يمكن الحديث عن أهمية علاج مشكلات رئيسة يعانيها هذا النوع من التعليم، أولى هذه المشكلات تتعلّق بعدم الاعتراف بالعديد من المؤسسات الخاصة بهذا التعليم، حيث تفيد المعطيات المتاحة بأن هناك نحو 50 جامعة في الإمارات غير مرخصة، وهو ما يعادل ثلثي عدد جامعات الدولة وكلياتها الذي يصل إلى 70 جامعة، بحسب ما نشر في صحيفة "الإمارات اليوم"، أمس، نقلاً عن نقاشات أعضاء "المجلس الوطني الاتحادي" في الجلسة المهمّة التي عقدت الثلاثاء الماضي. وهذا يعني غياب أي علاقة بين وزارة التعليم العالي وتلك الجامعات، التي أنشئت بتراخيص محلية في بعض المناطق الحرّة في الدولة، بعيداً عن وزارة التعليم العالي، على الرغم من أن الوزارة هي جهة الاختصاص، وهذا وضع له تداعيات سلبية خطيرة، فخريجو هذه الجامعات يعانون عدم الاعتراف بشهاداتهم. وفي السياق نفسه، فإنه ومع غياب عنصر الإشراف الرقابي من قبل وزارة التعليم العالي على هذه الجامعات، يصعب التأكّد من التزامها بمعايير الوزارة. وبطبيعة الحال، فإن التخلّص من هذا الوضع يكون من خلال إلزام تلك الجامعات بالحصول على الترخيص من قبل الوزارة وبإلزامها بتطبيق معاييرها في مجال الاعتماد الأكاديمي، وبإخضاعها لعمليات تقويم مستمرة من قبل الجهات المختصة، ما يعني ضرورة إخضاع الجامعات الخاصة لسلطة التعليم العالي. أما ثانية هذه المشكلات، فتتعلّق بالتأثيرات السلبية لبعض هذه الجامعات في ما يخصّ سوق العمل والتركيبة السكانية، ذلك أن وسيلة الترويج الأكثر أهميّة التي تتبعها هذه المؤسسات لاستقطاب الطلبة من الخارج هي إيجاد فرص عمل أو تدريب لهم في الإمارات، ومعظم مؤسسات القطاع الخاص ستعتمد على خريجي هذه الجامعات نتيجة تزايد الطلب على العمالة الأرخص تكلفة؛ وبالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلات أخرى تعانيها معظم الجامعات الخاصة، ومنها، النقص في المباني والمنشآت الجامعية، كما أن الرسوم الدراسية في بعض هذه الجامعات مرتفعة جداً قياساً بالمنشآت وجودة التعليم الذي يتمّ تقديمه. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية