تزايد في الآونة الأخيرة تدفق الاستثمارات العربية للأسواق العالمية، وبالأخص الأسواق الأوروبية والأميركية، وذلك، كنتيجة طبيعية لارتفاع عائدات النفط وتراكم فوائض نقدية هائلة لدى البلدان المنتجة للنفط. وشملت هذه الاستثمارات قطاعات عديدة، كقطاع العقارات وتجارة التجزئة والقطاع المصرفي والمالي وبعض الصناعات وسندات الخزينة، إلا أن هذه الاستثمارات التي قادتها الصناديق السيادية والتي قدر مجموعها بـ150 مليار دولار في العام الماضي وبلغت أكثر من 50 مليار دولار منذ بداية العام الجاري، لم تتضمن الاستثمار في قطاع الإعلام، وهو أحد أهم القطاعات الحديثة، والذي أخذ في استقطاب استثمارات كبيرة في الأعوام الماضية وحقق عوائد مجزية فاقت تلك المُحققة في قطاعات استراتيجية أخرى. الإعلام يحمل في طياته آفاقاً مستقبلية واعدة، بل إن الطفرة الحالية للاقتصاد العالمي في عصر العولمة سميت بمرحلة تقنية المعلومات والإعلام، والتي تعتبر الأساس للاقتصاد الرقمي الذي يلعب فيه قطاع الخدمات دوراً محورياً. منذ بدء الاستثمارات العربية في الخارج، الذي تزامن مع تدفق الثروة النفطية بصورة كبيرة في منتصف السبعينيات (الطفرة النفطية الأولى)، لم يحظ الاستثمار في الإعلام بتلك الأهمية التي يستحقها، وذلك على الرغم من حاجة بلدان المنطقة الماسة لهذا النوع من الاستثمار، ليس بسبب العائد الاقتصادي الجيد فحسب، وإنما لأسباب استراتيجية أيضاً. لقد دأب الإعلام الغربي على مدى الخمسين عاماً الماضية على تشويه صورة الإنسان العربي بدون وجه حق، مدفوعاً برغبات سياسية ناجمة عن الصراع العربي/ الإسرائيلي، فالمواطن العربي من وجهة النظر هذه هو عبارة عن برميل نفط يبحث عن الشهوات التي تسد رغباته. وعلى الرغم من أن هذه الصورة بدأت تتغير بفضل وسائل الاتصال الحديثة، وبفضل التقدم الذي حققته دول الخليج في الانفتاح وبناء مدن حديثة تُجاري المدن الغربية، بدليل ارتفاع أعداد الزائرين إلى دول المنطقة، بما فيهم كبار رجال الأعمال ونجوم هوليوود وأبطال الألعاب الرياضية، بل واتخاذ بعضهم من دول الخليج، وبالأخص الإمارات، مقراً لإقامتهم للاستمتاع بالأجواء والخدمات الراقية المتوفرة. وإذا كانت بلدان المنطقة لم تنتبه إلى أهمية الاستثمار في الإعلام في العقود الثلاثة الماضية، فإن الفرصة الآن مواتية نتيجة لتجمع العديد من العوامل المساعدة، فأولاً، تجتاح العالم طفرة تقنية وإعلامية لم يسبق لها مثيل، بل إن الاستثمار في هذا القطاع يشكل أحد أهم أوجه الاستثمار في العصر الحديث. ثانياً، تتوفر لدى بلدان المنطقة فوائض مالية تتجاوز ثلاثة تريليونات دولار، وهي مرشحة للارتفاع لتصل إلى خمسة تريليونات بعد خمس سنوات من الآن، مما يتيح إمكانيات للاستحواذ على مؤسسات إعلامية مهمة في الغرب. ثالثاً، يعاني الاقتصاد الغربي، وبالأخص الأميركي، من حالة تراجع، مع تعرض الكثير من مؤسساته لصعوبات ناجمة عن أزمة الرهن العقاري، التي بدأت تطال معظم القطاعات، مما يوفر فرص شراء مؤسسات إعلامية عريقة بأسعار مقبولة. لقد استثمرت بلدان المنطقة أموالاً كبيرة في الإعلام المحلي في سنوات العقد الماضي، إلا أن ذلك تم بصورة أساسية في القنوات الفضائية التي تتشابه إلى حد التطابق، في حين ظلت وسائل الإعلام الأخرى، كالصحافة تحاول مجاراة التطور التقني المتسارع. وبجانب استثمارات القطاع العام، فإنه يمكن للقطاع الخاص الاستحواذ على مؤسسات إعلامية كبيرة في الخارج، بدلاً من الاكتفاء بالاستثمار في الإعلام المحلي الذي يحاول استنساخ برامج خارجية بتكاليف باهظة تفرضها شروط الالتزام بحقوق التأليف والنشر. إن الاستحواذ على وسائل إعلام عالمية من خلال الاستثمار سيتيح اكتساب تقنيات هذه الصناعة المتنامية، ونقل بعض الخبرات العالمية إلى وسائل الإعلام المحلية، وفي نفس الوقت تحقيق نتائج مالية لا تقل عن تلك المحققة في القطاعات الأخرى، وذلك بالإضافة إلى طرح قضايا المنطقة عالمياً بصورة موضوعية، تعكس التقدم الذي أنجز في العقود الثلاثة الماضية، والذي تحولت معه مدن الخليج إلى مدن عالمية من الطراز الأول في مستوى البنية التحتية والخدمات ونمط الحياة العصرية المتسامح.