إذا نظرنا إلى تصريحات طاقم التفاوض الفلسطيني بعد لقاء عباس وأولمرت في نهاية الأسبوع الماضي، سنلمح آثاراً واضحة لمشاعر القلق لدى السلطة الفلسطينية من سياسات التفاوض الإسرائيلية ومراميها. وعلى أهمية هذه المشاعر الفلسطينية، فإن التسريبات الصحفية في إسرائيل حول مشاعر القلق الدولي وبخاصة من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تبدو شديدة الأهمية وتستحق أن نضعها تحت دائرة الضوء جنباً إلى جنب مع القلق الفلسطيني. إن التساؤلات التي أعقبت لقاء عباس وأولمرت الأخير حول ما إذا كانت قضايا التسوية النهائية قد حظيت بالنقاش والتي طرحها المراقبون، لم تحصل من أي طرف على إجابات صريحة. غير أن التعليقات التي صدرت عن محمود عباس وياسر عبدربه تشير على نحو ضمني إلى أن سياسة التفاوض الإسرائيلية ما زالت تعتمد أسلوب التهرب من القضايا الأساسية والمراوغة واستهلاك الوقت. يقول الرئيس محمود عباس، إن السلطة ترفض الحلول الجزئية، وهو قول ينبئنا بأن المطروح من جانب أولمرت حديث عن حلول جزئية وليس حلاً شاملاً. ثم يقول عباس نرفض أيضاً الحدود المؤقتة للدولة الفلسطينية المنشودة، وهو قول يشير إلى أن الطرح الإسرائيلي الذي استمع إليه لا يتعلق بالحدود النهائية للدولة. ثم يردف عباس قائلاً في نبرة تجمع بين صبر السياسي وبين بلوغ مشارف اليأس: "سنسعى للتوصل إلى اتفاق سلام خلال العام الحالي يشمل قضايا الوضع النهائي بما فيها القدس، أما إذا تعذر ذلك ووصلنا إلى طريق مسدود فإننا سنعود إلى أمتنا العربية لاتخاذ القرار المناسب وعلى أعلى المستويات". وإذا كان عباس قد اعتمد لغة التضمين وليس التصريح، فإن ياسر عبدربه كان صريحا أكثر وأوضح في التعبير عن القلق، عندما قال للصحف شاكياً من عدم حصول تقدم في المفاوضات: ننتقل من اجتماع تفاوضي إلى آخر لنتحدث في الأمور الإجرائية وليس في المضمون، والخوف أن تعرض إسرائيل في النهاية إما إعلان مبادئ أو دولة بحدود مؤقتة". لقد أعطى عبدربه لنفسه الحق في أن يلوح برد فعل فلسطيني حازم تجاه سياسات التهرب والمراوغة وقتل الوقت، فقال إنه "إذا لم يحدث تقدم فإننا سندرس خياراتنا ومنها إعلان الاستقلال من جانب واحد على غرار ما جرى في كوسوفو". وإذا كانت هذه المشاعر الفلسطينية القلقة مهمة للكشف عن الصعوبات التفاوضية التي تزرعها السياسات الإسرائيلية، فإن مشاعر القلق الدولي تشير إلى احتمال حدوث تحرك دولي وبخاصة أوروبي وأميركي فيما يتعلق بمواجهة سياسات العقاب الجماعي والحصار والتجويع التي تمارسها إسرائيل في غزة وفي ساحة التفاوض على حد سواء. تتحدث التسريبات الصحفية خاصة في صحيفة "هآرتس" عن مواقف متشددة اتخذها ممثل الاتحاد الأوروبي "مارك أوت" في اجتماع اللجنة "الرباعية الدولية"، الذي عقد في برلين في الحادي عشر من الشهر الجاري. لقد حصل سفراء إسرائيل في الدول الأوروبية على نص الكلمة التي ألقاها "أوت" في الاجتماع وقاموا برفعها إلى وزارة الخارجية في تل أبيب التي رفعتها بالتالي إلى القيادة السياسية مرفقة بتحذيرات السفراء الإسرائيليين. لقد تحدث "أوت" بعد ممثل الأمم المتحدة الذي حذر من خطورة المشكلة الإنسانية في غزة نتيجة للحصار الإسرائيلي، فقال المبعوث الأوروبي إن سوء الأوضاع لا يقتصر على انعدام الإجراءات الإيجابية المطلوبة على الأرض لتخفيف المعاناة الإنسانية للمدنيين، بل إن هذا السوء يتضاعف نتيجة لقيام إسرائيل بتصعيد إجراءاتها السلبية، ولامتناعها عن تنفيذ تعهداتها في "خريطة الطريق"، فليس هناك أي تقدم في المفاوضات مع السلطة، بل وقامت إسرائيل بتمديد فترة إغلاق مؤسسات السلطة في القدس لمدة ستة أشهر جديدة. لقد كانت برقية "دان كوريل" السفير الإسرائيلي في الاتحاد الأوروبي إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، مشحونة بالتحذيرات من احتمال وقوع تغير شامل في سياسة أوروبا الموحدة تجاه غزة بما يؤدي إلى كسر المقاطعة المفروضة على "حماس" وكذلك بالتحذير من قيام الولايات المتحدة بالمطالبة بفتح المعابر لتخفيف الأزمة الإنسانية في القطاع. إن السؤال الذي يجب طرحه هنا يتعلق بقدرة الدبلوماسية العربية على استثمار هذا القلق الفلسطيني والدولي، لتوليد موجة ضغط عربي ودولي على سياسات التهرب التفاوضي والعقاب الجماعي الإسرائيلية لكسر جمود المفاوضات وطوق الحصار على شعب غزة على حد سواء.