أوفى الرئيس الباكستاني برويز مشرف بوعده بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وكان ذلك واضحاً بإعلان نتائج الانتخابات التي أوصلت للبرلمان أحزاب المعارضة بعد فوزها الساحق. "حزب الشعب" الباكستاني الذي كانت تتزعمه رئيسة الوزراء الأسبق بينظير بوتو، حصل على أغلبية المقاعد في البرلمان، وجاء ترتيب "حزب الرابطة الإسلامية"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق أيضاً نواز شريف، في المرتبة الثانية. وقد طالب شريف الذي سيدخل الحكومة الائتلافية مع "حزب الشعب" بإقالة الرئيس مشرف والعودة لدستور عام 1973. وطبقاً لهذا الدستور يتألف البرلمان من الجمعية الوطنية التي ينتخب أعضاؤها عن طريق الاقتراع المباشر لمدة خمس سنوات، ومجلس الشيوخ الذي تنتخب المجالس الإقليمية أعضاءه، وتناط بالمجلسين مهمة اختيار الرئيس والذي ينص الدستور على أن منصبه شرفي فقط، بينما السلطة الفعلية في يد رئيس الوزراء. الرئيس مشرف بدوره وقَّع مرسوماً يمنحه مؤقتاً صلاحيات خاصة واسعة، يحق له بمقتضاها إصدار القوانين وتعديل الدستور وممارسة كل السلطات وإصدار كل المراسيم المناسبة. الآن بعد فوز أحزاب المعارضة بأغلبية المقاعد في البرلمان، كيف يمكن حل هذه الإشكالية الخاصة بالصلاحيات؟ رئيس "حزب الشعب" الفائز، علي زرداري زوج الراحلة بوتو، يختلف مع نواز شريف حول ضرورة عزل الرئيس بعد تشكيل الحكومة الائتلافية، فـ"حزب الشعب" يرى أن عليهم تشكيل الحكومة، وبعد ذلك تتم مناقشة كل القضايا في البرلمان الجديد. الإدارة الأميركية أعلنت ترحيبها بالانتخابات ووصفت النتائج بأنها خطوة نحو الديمقراطية الكاملة، وعبرت عن أملها في أن تعمل الحكومة الجديدة مع مشرف الذي تعتبره حصناً ضد تنظيم "القاعدة" في الحرب على الإرهاب. وتشدد واشنطن على حاجتها لباكستان كحليف في الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد المتشددين الإسلاميين في أفغانستان المجاورة. مشكلة السياسيين في باكستان والعديد من الدول العربية، هي إنهم يحاولون مهادنة ومسايرة التيارات الإسلامية الشعبوية، أملاً في كسب الغوغاء في الشارع، وقد كانت النتيجة كارثية على باكستان التي كانت عند قيامها بقيادة محمد علي جناح دولة عصرية علمانية لا تميز بين الأديان، ثم تحولت تدريجياً على يد السياسيين والعسكر إلى بلد تسوده الفوضى والإرهاب والصراع الطائفي والمذهبي، بسبب التطرف والغلو الدينيين، وقد ساهمت بعض الدول العربية والإسلامية في تمويل المدارس الدينية في باكستان التي خرّجت طلبة مثل أعضاء "طالبان" وأنصار "القاعدة". إن الوضع الخطير في باكستان اليوم، لا يتحمل خلافات الأحزاب الفائزة مع الرئيس مشرف، والمطلوب من الجميع في الرئاسة والحكومة، هو العمل معاً على محاربة الإرهاب والتطرف وترسيخ دولة القانون والديمقراطية. مطلوب من الدول العربية، ودول الخليج تحديداً، العمل على مساعدة باكستان في كل المجالات حتى لا ينزلق هذا البلد المهم في الفوضى وعدم الاستقرار... فأمن واستقرار باكستان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة كلها.