بعد أشهر من القلاقل والاضطرابات، بما فيها مصرع الشخصية الوطنية البارزة بينظير بوتو في شهر ديسمبر من العام الماضي، وما أعقبته من توترات سياسية حادة وأعمال عنف وقتل طالت الكثيرين، تمكنت باكستان من إجراء إحدى أهم انتخاباتها بنجاح، فيما يعد معلماً بارزاً من معالم تاريخ الشعب الباكستاني الذي يعود إلى الستين عاماً الماضية. ويعد انتقال باكستان نحو الديمقراطية أمراً أساسياً لتحقيق المصالحة الوطنية في البلاد. ومن ناحيتها فقد واصلت الحكومة العمل بلا كلل أو ملل طوال الفترة الماضية، لضمان نزاهة وحرية وسلمية انتخابات يوم الاثنين الماضي. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، اتخذت جملة واسعة من الإجراءات الجديدة، من بينها على سبيل المثال الإحصاء العلني لأصوات الناخبين في كل مركز من المراكز الانتخابية، بغرض ضمان أن تكون هذه الانتخابات هي الأكثر نزاهة وحرية في التاريخ الباكستاني. وتجعل الأهمية التاريخية لهذه الانتخابات، من الفرصة الحالية الأكثر ملاءمة ومواتاة لإجراء حوار نزيه جدي بنّاء حول التحديات والفرص المتاحة لكل من الولايات المتحدة الأميركية وباكستان، مع ضرورة توافق المصالح الأميركية في ظل حكومة باكستانية ديمقراطية ومستقرة، مع مصالح الشعب الباكستاني. هذا وتواجه أمتنا ثلاثة واجبات رئيسية هي: هزيمة الإرهاب والتطرف، وبناء حكومة ديمقراطية فاعلة، فضلاً عن إنشاء أساس قوي لنمو اقتصادي مستدام. وبما أن هذه هي الأهداف التي تتفق حولها الغالبية الغالبة للشعب الباكستاني، فإنني واثق من قدرتنا الأكيدة على تحقيقها. ومن جانبي أبدي استعداداً كاملاً للتعاون مع البرلمان الجديد في سبيل ترجمتها إلى واقع ملموس. والسؤالان اللذان أطرحهما هنا: أما زلنا نواجه التحديات؟ والإجابة هي بلى بالطبع. وهل تلوح أمامنا فرص عظيمة؟ والإجابة هنا أيضاً موجبة وأكيدة. ذلك أن اقتصاد بلادنا قوي ولا يزال يواصل نموه وقوته. وإلى جانب العامل الاقتصادي، فإن لنا قوات مسلحة نذرت نفسها وولاءها لخدمة الوطن، علاوة على تحليها بالكفاءة المهنية العسكرية. ولذلك فهي على أتم الالتزام ببسط النظام العام ووحدة نظامنا السياسي. والأهم من ذلك أن غالبية مواطنينا البالغ تعدادهم 160 مليون نسمة، تبدي التزاماً ثابتاً إزاء رؤية معتدلة للإسلام وللازدهار القومي الذي ليس من وسيلة أخرى لتحقيقه سوى التحديث. أما فيما يتصل بالإرهاب، فدعوني أصارحكم القول إن باكستان تواصل مواجهتها وحربها على هذا الخطر دون هوادة... فكيف لها أن تفعل غير ذلك وقد أعلن تنظيم "القاعدة" والمنظمات الإرهابية المرتبطة به حرباً شعواء على العالم المتحضر، بينما يمثل شعب وحكومة باكستان المتحضرين هدفاً رئيسياً له؟ وقد أثار البعض التساؤلات والشكوك حول مدى التزامنا بمكافحة التطرف، إلا أن الحقيقة هي أن ما يزيد على 1000 جندي باكستاني فقدوا أرواحهم أثناء القتال والمواجهات المسلحة مع مقاتلي تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" خلال الأربع سنوات الماضية، بينما يشارك 120 ألفاً آخرون في المهام الجارية في المناطق الحدودية المشتركة بين بلادنا وأفغانستان. وسوف نواصل العمل والتعاون الوثيق مع حلفائنا الأميركيين في القتال المشترك من أجل تخليص باكستان والعالم بأسره من عنف التطرف الديني. لكن ومثلما أثبتت التجربة الأميركية في العراق، فإن القوة العسكرية وحدها ليست كافية لمواجهة هذا الخطر. ذلك أن نجاح الجهود المبذولة في مكافحة التمرد، يتطلب تبني نهج متعدد الأشكال وطويل الأمد، في الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية معاً. وتقوم استراتيجيتنا السياسية على عزل الإرهابيين عن مواطنينا المقيمين في مناطق القبائل الحدودية المشتركة مع أفغانستان. أما الاستراتيجية الاقتصادية التي نتبناها، فقد انعكست نتائجها خيراً على زيادة التعليم والفرص الاقتصادية وفوائد التنمية لذات المناطق القبلية. وكما علمتنا دروس التاريخ، فما أن ترى الشعوب انعكاس فوائد التنمية على حياتها وحياة أبنائها وبناتها خيراً وأملاً، حتى تبدأ بإدارة ظهرها للعنف، والتوجه بدلاً منه صوب السلام والمصالحة الوطنية. بيد أن نجاحنا في هذا الطريق والمضي فيه إلى آخره، إنما يتطلبان وقوف الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبنا. وهنا أود أن أذكّر الأميركيين بالمصاعب الجمة التي تكتنف عملية البناء الديمقراطي حتى تحت أحسن الفروض والأحوال. فكيف يكون بناء هذه الديمقراطية إذن هنا في باكستان، هذه الدولة ذات التاريخ السياسي الشائك المضطرب، الذي يعود إلى قرون من النزاعات الإقليمية الإقطاعية، وحيث تكثر وتتعدد فصائل المتطرفين العاقدين العزم على هدم الديمقراطية وهزيمتها؟ وكما أثبتت شواهد التاريخ، فإن التحول السلمي نحو الديمقراطية، إنما يتطلب قيادة حكومية حاذقة وقوية، فضلاً عن عزيمة شعب وإقباله على تبني القيم الديمقراطية. ومن جانبه فقد أظهر الشعب الباكستاني بمختلف توجهاته ومشاربه، نساء ورجالاً، هذه العزيمة والإقبال من خلال النتائج الانتخابية التي حققها عبر صناديق الاقتراع يوم الاثنين الماضي. والحال هكذا، فقد بقي على القادة السياسيين في سدة الحكم، أن يضعوا يداً بيد ويتعاونوا مع بعضهم البعض، لأداء الدور القيادي المنوط بهم في عملية التحول السلمي الديمقراطي لباكستان. بعبارة أخرى فقد أدى الشعب دوره، وبقي الآن الدور على القيادة. ـــــــــــــ الرئيس الباكستاني ـــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست