لماذا فشل قانون "لا للتخلي عن الأطفال" في تحقيق أهدافه، وتخلى فعلاً عن الأطفال؟ حسب آخر النتائج التي توصلت إليها لجنة "التقييم الوطني للتقدم في مجال التعليم" الأميركية، فقد تراجعت قدرات طلبة الصف الثامن في مهارة القراءة منذ إقرار القانون عام 2001، كما بقيت الفجوة قائمة بين الطلبة المنحدرين من أوساط ميسورة ونظرائهم من الطبقات الدنيا، بحيث لم يطرأ على الفئة الأخيرة أي تقدم ملحوظ. ورغم التحسن الذي لوحظ في أداء طلبة الصف الثامن، فإن ذلك لم ينعكس في المراحل اللاحقة ولم يتحسن أداء الأطفال في مهارة القراءة. وفي هذا الصدد يتعين على أعضاء الكونجرس القائمين على صياغة التعديلات أن يعوا أن النتائج المخيبة لقانون "لا للتخلي عن الأطفال" لا ترجع إلى قصور في القانون نفسه بقدر ما ترجع إلى المناهج والوسائل المتبعة لبلوغ التقدم المطلوب في مهارة القراءة، فضلاً عن أساليب التقييم المتبعة في هذا المجال. فالعديد من المربين يشتكون من التركيز المفرط في تقييم مهارة القراءة لدى الطلبة على الاختبارات بدلاً من تعليم الأطفال، بحيث لم يُفضِ هذا التركيز إلا إلى نتائج متواضعة دون المستوى المطلوب، ناهيك عن أن التدريس من أجل الامتحان لا يخدم حتى أهداف التقييم على المدى البعيد. والواقع أن الدراسات الحديثة في مجال تعليم القراءة للأطفال، تشير إلى أن المعرفة بموضوع القراءة وفهمه أهم عنصرين باعتبارهما الهدف النهائي المرتجى من القراءة نفسها. فبعد أن يتعلم الطفل تهجي الحروف والنطق بها، يمر إلى مرحلة الفهم التي هي المعرفة بالموضوع. وهناك العديد من الأبحاث تدعم الفكرة القائلة إنه بعدما يتمكن الأطفال من نطق الحروف والكلمات بطلاقة، تأتي المعرفة التي تعتبر أساسية في التمييز بين الطلبة ذوي المهارات العالية في القراءة وزملائهم ذوي الأداء الضعيف. وبتحليل الكتب المدرسية والمناهج المستخدمة في تدريس الطلبة خلال الحصص الممتدة على مدى ثلاث ساعات يومياً، تتكشف الأسباب التي تجعل أداء الأطفال في القراءة ضعيفاً إلى هذا الحد. فالعديد من الكتب والمواد الدراسية القائمة على تدريب الطلبة على اجتياز امتحان القراءة ومدهم بوسائل تحقيق ذلك، ترتكز على فكرة مغلوطة مؤداها أن الفهم المرتبط بالقراءة يمكن اكتسابه بالممارسة، ويمكن تعلمه مثلما يتعلم الفرد مهارة الطباعة. هذا التركيز على الجانب التقني في القراءة، باعتبارها تهجياً للحروف والكلمات ووضعها في سياق جمل وتركيبات، جعل المدارس تنفق وقتاً غير مجدٍ في تصميم محتويات تافهة للكتب المدرسية والتركيز على تمارين غير مفيدة؛ مثل استخراج الفكرة الأساسية للنص وغيرها، بينما يتم إغفال العنصر الأهم، وهو تلقين موضوعات ذات صلة بالقراءة؛ كالتاريخ والعلوم والفنون. والواقع أن تبني المربين لهذه الفكرة المغلوطة عن الفهم وتجاهل دورهم في تنمية مهارة القراءة لدى الأطفال، لا يرجع إلى تقصير منهم، بل يُعزى إلى تقرير "هيئة القراءة الوطنية" الذي صدر في عام 2000، والذي رغم كل توصياته المفيدة حول كيفية تحويل العلامات المكتوبة إلى أصوات منطوقة، إلا أنه أغفل موضوع الفهم في تطوير القراءة أي المهارة التي لا تمتحن إلا في مراحل لاحقة من المسار التعليمي للأطفال، ليتبين وقتها أن الطلبة بعيدون كل البعد عن امتلاك ملكة الفهم. والمشكلة أن التقارير الرسمية التي تقيم عملية القراءة لدى الأطفال وتحذر من خطر ضعف الأداء في المدارس الأميركية، تنسى فشلها في الإشارة إلى الفهم، وتركز بدلاً من ذلك على الوسائل التقنية وتطوير الكتب المدرسية. ولتصحيح هذا الوضع، تتعين مراجعة تقرير "هيئة القراءة الوطنية"، لكي ينص على تلقين المعرفة المتوافرة عادة في الكتب والمحاضرات باعتبارها أفضل وسيلة تساعد طلبة الصف الثامن على اكتساب مهارة القراءة. ويتعين على التقرير المعدل أن يعترف بأن استراتيجية تعليمية قائمة على المعرفة تبدأ من روضة الأطفال، من خلال الانتباه أكثر إلى محتوى نصوص القراءة وإشراك الطلبة في النقاش. ولا بد من التذكير أيضاً بأن التدريب على امتلاك ناصية الفهم يستغرق وقتاً طويلاً يبدأ في المراحل الأولى ويستمر مع الطفل حتى الصفوف المتقدمة. فحتى في ظل منهج دراسي متماسك يتم بناء الفهم والمصطلحات بالتدرج وعلى مدى سنوات لتظهر النتائج في مراحل لاحقة. وللتأكد من ضرورة إدماج الفهم في تعليم القراءة والتركيز عليه ما علينا سوى النظر إلى التجربة الناجحة في مدارس ولاية مساتشوستس التي تشكل استثناء ضمن حالة التدهور العامة في مهارة القراءة لدى طلبة الصف الثامن في الولايات المتحدة. فقد نجحت الولاية في رفع عدد طلبة الصف الثامن الذين يصنفون في خانة "متقدم" أو "كفء" في القراءة، لتصبح الولاية الأولى أميركياً في هذا المجال. ويرجع سبب ذلك إلى القرار الذي اتخذته الولاية عام 1997 بإلزام الطلبة تعلم محتويات ذات مضمون جيد توفر لهم معرفة تشمل ميادين التاريخ والعلوم والآداب، وإخضاعهم لامتحان يختبر معارفهم. فالطريقة الأمثل لتعلم القراءة والتقدم في مساربها، لابد أن تمر عبر تلقي المعرفة، لذا يتعين على الكونجرس والمسؤولين التربويين الأميركيين أن يدركوا أن أفضل الاختبارات هي تلك التي تمتحن معارف الطالب، على أن تتواءم مع المعايير الخاصة بكل صف دراسي على حدة. إي. دي هيرتش ـــــــــــ كاتب أميركي متخصص في شؤون التعليم ـــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"