كنت قد توقفت في الأسبوع الماضي عند رسالة العلماء والمثقفين المسلمين، الموجهة إلى قادة الفكر والرأي في الغرب بخصوص ظاهرة التعدي على حرمات الإسلام ومقدساته، ومطالبتهم بكف يد الظلم والتدخل في الشؤون الداخلية وبالتعاون لإيجاد منهج سليم وصورة مشتركة للتعايش بين الطرفين. وبعد مرور ثمانية أشهر على الرسالة، قام 138 عالماً ومفكراً مسلماً بتوجيه رسالة ثانية إلى الغرب لتأكيد سعي المسلمين الدائم إلى الخير والمحبة والسلام والحوار المبني على التعاون والتعايش المشترك، وقد دعوا الغرب في رسالتهم، والتي كان عنوانها "كلمة سواء بيننا وبينكم"، إلى ألا يعتبر المسلمين خصماً، بل إلى اعتبارهم شركاء في الإنسانية، كما طالبوا بالالتقاء على الأساسيات المشتركة للدينين الإسلامي والمسيحي، بحكم أنهما الدينان الأكبر من حيث عدد الأتباع، مما يجعل حسن العلاقة بين شعوبهما أهم عامل للمساهمة في إحلال سلام حقيقي في أرجاء العالم. لذلك فقد طالب علماء المسلمين في رسالتهم الغرب المسيحي بالعمل على أن لا تصل الاختلافات بين الطرفين إلى خلق حالة من الكراهية والشقاق والنزاع والصراع، وبأن يكون التنافس في ميادين الفضيلة والخيرات، وأن يحترم كل طرف الآخر، وأن يكونوا منصفين وعادلين وودودين، وأن يعيش الجميع في جو من السلام والنية الطيبة المتبادلة. وبعد تلك الرسالة، تلقى علماء المسلمين رداً من 300 عالم ورجل دين مسيحي. وأهمية هذا الرد أنه تضمن أمرين: أولهما اعتذار أولئك العلماء ورجال الدين المسيحي عن الحروب الصليبية، وذلك بقولهم "نود الإقرار بأن العديد من المسيحيين في الماضي وفي الحاضر، قد أذنبوا بارتكابهم آثاماً ضد جيراننا المسلمين، فقبل أن نصافحكم رداً على رسالتكم، نطلب مغفرة الله الرحيم وصفح الأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم". أما الأمر الثاني، فهو كون الرسالة تميزت بمعاني التسامح الديني والرغبة في فتح صفحة جديدة من الحوار الإسلامي -المسيحي. والسؤال المهم هنا: هل أدت تلك الرسائل إلى خفض حدة التطاول والكراهية والإساءة والتعدي على الإسلام ورسولنا الكريم؟ وهل تعامل الغربيون بوضوح مع ما يحدث في وسائل إعلامهم ومناهج التعليم لديهم من تعدٍ سافر على الإسلام؟ هل كان لهم موقف اتجاه الجوائز والألقاب والأوسمة التي تمنح في الغرب لكل من يكتب ضد الإسلام ويسيء إلى رسولنا الكريم؟ هل تحول الحوار بين المسلمين والغرب إلى برنامج عمل يتصدى لتلك الإساءات كي لا تتكرر باستمرار؟ ما يحدث اليوم من تشويه وتعدٍ سافرٍ ومتكررٍ بحق الإسلام، في كل الدول الغربية تقريباً، يؤكد أن جهود المسلمين لتخفيف العداء وتحسين العلاقة وإيجاد لغة للتعايش... لم تحقق هدفها! خطاب الغرب إزاء الإسلام ليس، كما يظن البعض، مجرد حالة طارئة وتزول، بل إن العقل الغربي، كما يقول المفكر الألماني الدكتور مراد هوفمان، لا زال يعيش ذاكرة الحروب الصليبية وصراعات السيطرة على البحر المتوسط والاقتناع المسيحي بأن الإسلام دين قتال وعداوة وعنف وإرهاب! وهذا يوافق تماماً ما قاله الدكتور موريس بوكا من أن الطريقة التي اتبعت في تثقيف الأجيال الغربية، فيما يتعلق بالقضايا الدينية لدى الإنسان خاصة مسألة التجهيل الذي فرض عليهم في كل ما يخص الإسلام، يدل على وجود رغبة في الإبقاء على القناعات والأوهام القديمة، ولكي تظل النفوس مشحونة ضد الإسلام"... حتى النشاطات الإرهابية الحديثة التي تلصق اليوم بالإسلام، الهدف منها إبقاء الإسلام كعدو للغرب، وذلك لترسيخ حالة الشحن العدائي تلك! لكن هنا تكفي الإشارة إلى ما جاء في تقرير مكتب الشرطة الأوروبي (ديوروبول) حول الإرهاب في أووربا خلال عام 2006، حيث ذكر أن 498 هجوماً إرهابياً وقع في ذلك العام، منها 424 ارتكبتها مجموعات انفصالية، و55 هجوماً ارتكبها متطرفون يساريون، و18 هجوماً ارتكبها إرهابيون متطرفون آخرون، وهجوم واحد فقط من تلك الهجمات نسب إلى الإسلاميين... لكن وسائل الإعلام الغربية تصر على أن الإرهاب الذي يقع في الغرب من صنع المسلمين وحدهم. العالم الإسلامي يمر بفترة خطيرة؛ حيث تتكاثر المؤامرات والهجمات، والأمة تتألم لما يجري من إهانات ضد مقدساتها ورموزها الدينية. لذلك فالمطلوب هو أن يتغير الخطاب الإسلامي، وأن يكون لنا موقف مع ذاته ومع الآخر.