منذ أن تم إدراجها كمرض مستقل قبل أكثر من نصف قرن، ضمن التصنيف الدولي للأمراض (ICD)، تحولت السمنة إلى وباء عالمي، لم تسلم منه دولة أو شعب. وعلى رغم ذلك لا ينظر الكثيرون منا إلى السمنة على أنها مرض بحد ذاته، بما في ذلك العديد من أفراد المجتمع الطبي. فمن الشائع أن نسمع أن شخصاً ما مريض بداء السكري، أو بارتفاع ضغط الدم، أو بالتهاب المفاصل، وإن كان لا زال من النادر جداً أن نسمع أن شخصاً ما (مريض بالسمنة). هذا على الرغم من زيادة إدراكنا خلال العقود الأخيرة للعلاقة القوية بين السمنة وبين حزمة واسعة من الأمراض، بما في ذلك السكري، وأمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، وغيرها الكثير. وهذا الأثر الصحي السلبي الهائل، يتزايد فداحة يوماً بعد يوم بسبب التزايد المطرد في أعداد المصابين بالسمنة، حيث يوجد حالياً أكثر من 1600 مليون شخص، فوق سن الخامسة عشرة، يعانون من زيادة الوزن (Overweight)، ومن بين هؤلاء، يوجد 400 مليون شخص، مصابون بالسمنة المفرطة (Obesity). وتشير توقعات منظمة الصحة العالمية، إلى أنه بحلول عام 2015، سيرتفع عدد المصابين بزيادة الوزن إلى 2300 مليون، منهم 700 مليون مصاب بالسمنة المفرطة. ومثل هذه الأرقام والإحصائيات والتوقعات، تظهر الانتشار العالمي للسمنة، وهو ما يتطلب تعاوناً دولياً في مكافحتها، حسب ما صرح به البروفيسور "فيليب جيمس"، رئيس الفريق الدولي لمكافحة السمنة (International Obesity Taskforce)، خلال فعاليات المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية لتطوير العلوم الذي عقد في مدينة بوسطن بداية هذا الأسبوع. وذهب البروفيسور في تأكيده على ضرورة التعاون الدولي في مكافحة السمنة، إلى درجة مطالبته قادة وزعماء الدول بتشكيل تحالف عالمي مماثل للتحالفات التي تتعامل حالياً مع قضية الاحتباس الحراري وظاهرة الدفء العالمي، بهدف توفير الغذاء الصحي لشعوب العالم. وهذا التأكيد على صحية الغذاء، ينبع من حقيقة أن عشرة في المئة من أطفال العالم، إما زائدو الوزن أو مصابون بالسمنة، وهو ضِعف نسبة الأطفال الجوعى والمصابين بسوء التغذية. وإن كان تحقيق مثل هذا الهدف، أي توفير الغذاء الصحي، يصطدم حالياً بعدة عوائق، علمية وسياسية وتجارية. فعلى الصعيد العلمي، لا يوجد حتى الآن اتفاق بين الخبراء على أفضل السبل والإجراءات التي يفترض في الدول والحكومات اتخاذها لخفض أوزان أفراد شعوبها. أما على الصعيدين السياسي والتجاري، فتكمن المشكلة في جماعات الضغط، أو "لوبي" صناعة الغذاء، الذي تعيق إصدار القوانين والتشريعات الكفيلة بتحسين نوعية الغذاء الذي يستهلكه البالغون والأطفال على حد سواء. وهو ما اتضح من خلال فشل المفوضية الأوروبية في بروكسل، في تمرير التوصيات والتشريعات المتعلقة بتثقيف العامة عن محتويات الأغذية، من خلال إعادة تصميم أغلفة المعلبات الغذائية. ففي النظام الحالي، يتم وضع نسب ومحتويات الأطعمة من دهون وسكريات وأملاح على الغلاف الخارجي، وهو ما يتطلب دراية واسعة بعلم التغذية، حتى يتمكن الشخص من تحديد ما إذا كان هذا الغذاء أو ذاك يتمتع بمواصفات صحية. وأمام هذا الوضع، يطالب البعض بضرورة تعديل النظام الحالي، من خلال استخدام ألوان مماثلة لإشارات المرور المعروفة، الأحمر والأصفر والأخضر. وحسب هذا النظام المقترح، سيلوَّن المحتوى من السكريات مثلاً باللون الأحمر إذا ما كانت نسبته مرتفعة، أو باللون الأصفر إذا ما كانت متوسطة، وبالأخضر إذا ما كانت منخفضة. وبتطبيق هذا النظام اللوني الواضح على جميع مكونات الغذاء، من بروتينات ودهون وسكريات، يمكن للشخص العادي بسهولة وسرعة تقييم القيمة الغذائية للمنتج الذي ينوي شراءه. ولكن، سرعان ما أطلقت صناعة الأغذية المعلبة حملة ضغط سياسية، بسبب ما سينتج عن هذا النظام من عزوف المستهلكين عن الكثير من الأطعمة غير الصحية، التي تمتلئ بها أرفف محلات البقالة والسوبرماركت. ومثل هذه القصة تكررت إلى حد كبير، مع محاولات الحد من إعلانات الأغذية غير الصحية، وخصوصاً تلك الموجهة للأطفال، التي يلقي الكثيرون باللوم عليها خلف انتشار العادات الغذائية السيئة بين أجيال المستقبل. وهو ما ظهر جلياً من خلال مسح أجرته الشهر الماضي الجمعية البريطانية للقلب (British Heart Foundation)، وخلص إلى أن الأطفال أصبحوا لا ينظرون لكيس من رقائق البطاطس، أو للوح من الشيكولاتة، أو قطع الحلوى، على أنها مكافأة أو معاملة خاصة، بسبب تواجد هذه الأطعمة في غذائهم اليومي بشكل ثابت. وهو ما حدا بالجمعية إلى مطالبة الحكومة بمنع حملات الدعاية والإعلانات للأطعمة المعروفة بالخردة أو القمامة (Junk Food)، بسبب تأثير هذه الحملات على إدراك ومفهوم الأطفال لمعنى الغذاء الصحي. إن تواتر تلك المحاولات من قبل الجهات العلمية والصحية، في مقابل الجهود المضادة من شركات الأغذية المعلبة، وصناعة الدعاية والإعلان، يظهر مدى تنوع الأسباب خلف وباء السمنة العالمي. فالنظرة الحالية بأن السمنة هي نتاج نهم الفرد وكسله فقط، تعتبر تبسيطاً ساذجاً لمشكلة بالغة التعقيد. وهو ما يفرض ضرورة تضافر جهود العديد من قطاعات المجتمع، مثل الأسرة ومؤسسات التعليم، وجهات التثقيف الصحي، بالإضافة إلى التشريعات والقوانين، ليس على المستوى القومي فقط، بل أيضاً من خلال منظومة للتعاون الدولي في مواجهة وباء القرن. د. أكمل عبد الحكيم