في الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب العربية إلى اتساع مساحات الحرية الإعلامية، وتهفو إلى المزيد من سرعة نقل المعلومات المحلية والعالمية، أقرَّ مجلسُ وزراء الإعلام العرب وثيقة تحتوي على ضوابط للبث الإذاعي والتلفزيوني، وتحدُّ من الحريات الإعلامية، وتضع ضوابطَ للبرامج تحت مُسميات (الحفاظ على الأخلاق، والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي)، وتدعو إلى "الموضوعية والأمانة واحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية، وعدم تناول مادتها الرموزَ الوطنية والدينية بالتجريح"! وستكون لنا وقفة مع الوثيقة مستقبلاً. وفي الأسبوع نفسه أصدرت منظمةُ "مراسلون بلا حدود" تقريرَها السنوي لعام 2008، الخاص بالأوضاع الإعلامية في دول من ضمنها دول الخليج العربي. حيث أشارَ التقرير إلى وجود تطوّر في مجال الحريات في المنطقة -ولكن الطريق مازال طويلاً!؟ ويرى التقرير أن حرية الصحافة في دول الخليج تختلف من دولة إلى دولة؛ حيث يُعاني الصحافيون مشاكل معينة، والرقابة الذاتية تلازمهم بشكل ملحوظ منعاً للاقتراب من الخطوط الحمراء!؟ ورغم سيطرة الحكومات على الإعلام، إلا أن الوضع في بعض دول الخليج أفضل من ذي قبل، على رغم الاتجاهات التي تحكم الموقف. وحسب التقرير، فإن الإعلامَ في السعودية محكومٌ بقوة من قِبل الدولة، كما يشكو الصحافيون في كل من البحرين والكويت وقطر من صعوبة الوصول إلى المعلومة الرسمية أو التقارير الخاصة بالحالة الأمنية والاجتماعية. ويتطرق التقرير إلى حالات التوقيف أو السجن في بعض الدول الخليجية والعربية. كما يأتي بآراء صحافيين سعوديين أشادوا بالحراك الإعلامي وزيادة هامش الحرية، إلا أنه أشار إلى أن رؤساءَ التحرير واقعون تحت ضغطِ طريقة تناول علاقات دولية أو شؤون أمنية. كما يشيرُ التقريرُ إلى استدعاء صحافيين بحرينيين في يناير الماضي بعد كتابتهما حول موضوع مثير للجدل. كما يتضمن الجرد موقفَ المحكمة من صحافيين كانوا يُغطون تجمعاً عمالياً في دولة قطر. ويلاحظ كثرة توظيف الأجانب في الإعلام، وعلاقة هؤلاء بالمؤسسات الإعلامية الرسمية من حيث الالتزام بالرقابة، وضرورة التزام الصحفي بقوانين تلك المؤسسات التي تصرّحُ له بالعمل، بما في ذلك شؤون الإقامة والسفر. ويرى التقرير أن تلك "الرسميات" أكثر مرونة في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث يجد الإعلاميون تسهيلاتٍ جمةً في مدينة دبي للإعلام وغيرها. ويتطرق التقرير إلى موقف المحاكم من الإعلاميين! ويأتي بمثال من دولة الكويت -التي تمنعُ قوانينُها حبسَ الصحافي، لكن الصحافيين يقعون تحت طائلة الغرامات الضخمة. فهنالك عشر شكاوى رُفعت ضد رئيس تحرير "الأبراج" الأسبوعية (منصور المحيرب) عام 2007، بعد نشرهِ موضوعاً عن الفساد. واتهم وزارة الإعلام بـ"تقويض" ما حققه الإعلامُ الكويتي. وما زال موضوعُ تجريم الصحافي يُراوح بين المُشرِّع والبرلمانات والمجالس الوطنية. فهنالك صحافيان من جريدة "الخليج تايمز" في الإمارات تم إطلاق سراحهما بعد أن أدانتهما المحكمة في سبتمبر 2007 بالسجن شهرين، حيث تدخل لصالحهما سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس الوزراء. وتطرّق التقريرُ إلى الصحافة الإلكترونية والمُدوَّنات والمواقع. وأتى بمثال عن المدوِّن الليبرالي السعودي أحمد الفرحان الذي أعْتقلَ في ديسمبر الماضي دون توضيح. ومازال في السجن حتى بداية عام 2008. كما قامت السلطات في مملكة البحرين بالرقابة على المواقع. ويرى المدونون أن القوانين مُربكة. حيث تمت محاكمة أكثر من عشرة صحافيين ومدونين من أبريل إلى أكتوبر 2007 بحكم المادة 365 من قانون العقوبات، والمادة 47 من قانون المطبوعات. والمواقع التي تخص البحرين عليها التسجيل لدى وزارة الإعلام، حيث تسهلُ الرقابةُ عليها، كما يقول التقرير. وفي رأس الخيمة حكمت محكمة على صاحب موقع إلكتروني بالسجن لمدة عام، لكن التدخل السياسي أفرج عنه، (انتهى). هذه ترجمة -بتصرف- لمجمل القضايا التي احتواها التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2008 عن منطقة الخليج، أما ما يخص المنطقة العربية الأخرى فنتوقع أن يكون الحال أكثر بؤساً. ونحن إذ نتناول هذا الموضوع بكل شفافية وصدق احتراماً لرأي القراء الكرام؛ فذلك لأن عملية التحديث التي تشهدها مجتمعاتُ الخليج -في جميع الميادين- لابد وأن تشمل قضايا الإعلام. إذ لا يجوز أن نأتي بأرقى الجامعات لأبنائنا، ونقيمَ علاقات تعاون مع الدول المُتحضرة والمنفتحة إعلامياً، بينما يظل إعلامُنا مُكبلاً بالقيود الثقيلة، بل وتظل السلطاتُ متمسكة بحساسيتها المُفرطة تجاه أي حديث عن خلل في وزارة أو مؤسسة ما!؟ كما أنه من غير المعقول أن يَحكمَ إعلامَ الألفية الجديدة قانونٌ أو قوانينُ صَدرت قبلَ أربعين عاماً! كما أن التوجهات الإصلاحية نحو الديمقراطية والتغيير في المنطقة تحتمُ أن تتسعَ الصدورُ للأطروحات الملائمة لهذه المرحلة؛ ولعل أهمها حرية التعبير، وحق الإنسان في الوصول إلى المعلومة ومسؤولية الإعلام عن ذلك، وعدم اللجوء إلى القوانين التي تحجُر على فِكر الإنسان. وإذا لم يقم الإعلامُ بدوره في عملية المُكاشفة وتبصير الحكومات والشعوب بالقضايا الداخلية المُلحة، فلن يحدث أيُّ حراك نحو الديمقراطية. نحن ندرك أن هناك وجهين للسياسة! يُمكن أن يكون أحدهما أبيض والآخر أسود! لكن لا يجوز أن يكون هناك وجهٌ رمادي للمراوغة! وجهٌ يُبَشر بالحرية والديمقراطية في الوقت الذي يضع القوانين والمعوِّقات التي تحدُّ من تلك الحرية. كما أن وعي الشعوب قد نما الآن، وساهمَ الانتشارُ الإلكتروني في سرعة نقل المعلومة! وهذا يتطلبُ أن يكون هناك تفهمٌ أكبر لموضوع الحريات، وتحديث القوانين التي تحجّم هذه الحريات. ولا يجوز أن نفتح المجال للصحف والمحطات الأجنبية لأن تتناول قضايا العالم من أراضينا، بينما نحاسبُ محطة أو جريدة محلية إن تناولت قضية محلية مؤثرة من قضايا الرأي العام!؟ لقد عانى مجتمعُ الخليج من النفاق الإعلامي ردحاً من الزمن بحكم الحالة التحولية لهذا المجتمع، ولكن الوضع قد تغيّر اليوم. وجاء حكامٌ جُدد لهم رؤى استشرافية جميلة. وهم بلاشك يُحبون تطوّرَ بلدانهم وسعادةَ مواطنيهم. لذلك يتحتمُ على أصحابِ المَشورة والوزراء أن يدعموا فِكرة الحريات، وتنقيح الدساتير والقوانين المحلية من كل المواد الكابحةِ للحريات، وبما لا يتعارض مع حرياتِ الآخرين بالطبع!. hamsalkhafi@hotmail.com