مرشح "ديمقراطي" رئاسي جديد يعد بالتغيير، اقتصاد يمر بمرحلة من التراجع، وأمة تشعر بالمرارة تجاه حكم "الجمهوريين". هذا الكلام يبدو كما لو كان وصفة نجاح مؤكدة للسيناتور "باراك أوباما" في انتخابات الخريف القادم، وهو أيضاً يذكّر على نحو ما بما حدث في حملة انتخابات الرئاسة لعام 1976، والتي قمت بتغطيتها كمراسل لوكالة "الأسوشيتيد برس" في البيت الأبيض. وإذا كان بمقدورنا أن نتخذ من التاريخ دليلاً يهدينا إلى ما يمكن أن يحدث في الحاضر، فإنني أقول، ومن واقع التجربة، إن ما حدث في ذلك العام يمكن أن يتكرر خلال الخريف القادم. في عام 1976، وبعد أن فاز المرشح الجمهوري "جيرالد فورد" بترشيح حزبه في مدينة "كانساس- مينوسوتا"، دعا كبار شخصيات الحزب إلى مقره الصيفي في "فايل- كولورداو" من أجل عقد اجتماع لرسم خطة مناسبة لخوض انتخابات نوفمبر ضد المرشح "الديمقراطي" جيمي كارتر، والذي كان يحظى في ذلك الوقت بأسبقية يصعب تجاوزها في استطلاعات الرأي حيث وصلت نسبة تأييده في منتصف الصيف الى نحو 70% أي ضعف نسبة تأييد فورد. ضم ذلك الاجتماع فورد، ومرشحه لمنصب نائب الرئيس "بوب دول" و"نيلسون روكفلر" وعددا كبيرا من كبار رجالات الحزب الجمهوري الذين ملأوا جنبات ملعب الجولف حيث عقد الاجتماع، وبدأوا كلهم يرددون عبارات مكررة عن قدرة الحزب الجمهوري على التقدم من الخلف، وحسم السباق في النهاية. كان من بين الحاضرين "جون كونالي" الديمقراطي الذي تحول إلى جمهوري، والذي وضع من خلال كلماته المرتجلة، استراتيجية لسد الفجوة الهائلة بين الحزبين في أرقام استطلاعات الرأي. وهذه الاستراتيجية هي نفسها التي يمكن للجمهوريين استخدامها بشكل جيد حالياً لإلحاق الهزيمة بالسيناتور "باراك أوباما"، وذلك إذا تمكن من خلال قوة دفعه الذاتي الحالية أن يحصل على ترشيح حزبه. في ذلك العام، وفي ختام الكلمة التي أدلى بها، رسم كونالي تعبير دهشة على وجهه، بعد أن توقف قليلاً وكأن فكرة قد خطرت فجأة على ذهنه ليتساءل: "من هو جيمي كارتر هذا؟"، وذلك قبل أن يجيب بنفسه قائلاً: "نحن لا نعرف أي شيء عنه". كان التساؤل والإجابة بمثابة حيلة بالغة الذكاء من جانب كونالي أراد بهما أن يزرع الشك في نفوس الناخبين. ما هو أكثر من ذلك، أن كونالي، وهو رجل محنك في سياسات تكساس، واصل على مدار الخمس دقائق التالية، الحديث عن نفس الموضوع محاولاً تفنيد وعود التغيير التي أطلقها كارتر، وتفريغها من محتواها. واستطاع الرجل الذي شغل من قبل منصب حاكم تكساس، وبمهارة فائقة أن يحدد لغة حملة "الجمهوريين" خلال الفترة التي أعقبت ذلك الاجتماع وحتى موعد الانتخابات. في ذلك الوقت بدأت أرقام تأييد كارتر تهبط تدريجياً، أسبوعاً إثر أسبوع. كانت الخطة التي اتبعها كونالي في غاية البساطة والذكاء معاً، وهي تقوم على زرع الشك والخوف حول ذلك الوافد الجديد من جورجيا، وفي قدرته على قيادة أميركا في فترة ما بعد حرب فيتنام وما بعد "ووترجيت"، من خلال التركيز على مسألة افتقاره للخبرة في مجال السياسة الخارجية، وهي مسألة كانت في غاية الأهمية آنذاك، إذ كان الاتحاد السوفييتي ما يزال موجوداً والحرب الباردة على أشدها. حينئذ كان كارتر، شأنه في ذلك شأن أوباما اليوم، يعد بالتغيير والأمل، لكن الفارق بين الحملة في ذلك العام والحملة الحالية هو أن التوق للتغيير كان شاملاً في ذلك الوقت، كما كان هناك شيء أكثر قوة، يربض في أعماق النفسية الأميركية مقارنة بما هو عليه الوضع الآن. لقد لعب "كونالي" بورقة الخوف من المرشح الجديد، والذي يمكن أن يؤدي افتقاره للخبرة، سواء في السياسة الخارجية أو في قضايا السياسة الوطنية، إلى كوارث. وعندما حان موعد التصويت في نوفمبر، لم تكن النتائج الفعلية تعكس نسبة التأييد العالية التي كان يحظى بها كارتر في استطلاعات الرأي قبل أن يقْدم "كونالي" على تنفيذ خطته الماكرة. ظلت النتائج معلقة لدرجة أن كارتر بات ساهراً حتى الساعة الثالثة صباحاً لكي يعرف هل فاز في تلك الانتخابات أم خسر. كان فورد يكسب أصواتاً جديدة بسرعة، ولو كانت الحملة الانتخابية قد امتدت أسبوعاً إضافياً لكان فورد قد فاز في الانتخابات، رغم "ووترجيت" ورغم المعلومات المحرجة التي تكشفت عنها فضائح الـ"سي. آي. إيه"، والمهانة التي تعرضت لها أميركا في فيتنام! وإذا ما تمكن أوباما من الفوز بترشيح "الحزب الديمقراطي" في نهاية المطاف، فإن أوراق اعتماده أو نقاط قوته الحالية تعتبر محدودة للغاية. فهو ليس سوى سيناتور من "الينوي"، لم يمكث في مجلس الشيوخ سوى فترة واحدة. ورغم أنه يبدو جذاباً على شاشة التلفزيون، إلا أنه في النهاية عديم الخبرة في السياسة الخارجية... ورغم أنه يعد بالخروج من العراق في فترة رئاسته الأولى -إذا ما قدر له الفوز- فإنه لم يقل لنا كيف سيفعل ذلك! وحسب ما يبدو فهو لا يعرف أن مصالح اللوبي الإسرائيلي وبعض الدول الشرق أوسطية وشركات النفط الكبيرة، قد ترى في استمرار الوجود الأميركي في العراق فائدة لها، وأن هذه المصالح قادرة على إحباط ما يرغب القيام به في ولايته الأولى. ألا يدري أوباما أن سحب القوات من العراق سيستدعي منه أن يجتذب البنتاجون إلى جانبه، وهي مهمة لن تكون سهلة على الإطلاق، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا ميل البنتاجون التقليدي للجمهوريين. فضلاً عن ذلك، فإنه حتى لو تمكن أوباما من الحصول على ترشيح حزبه في نهاية المطاف، فإنه قد يجد نفسه بعد ذلك في مواجهة نسخة حديثة من "كونالي" تتساءل في استهانة: ومن هو باراك أوباما هذا؟ وماذا يعرف عن ضمان استمرار تدفق النفط من الشرق الأوسط؟ وهل يدرك أن الإسلام الجهادي يخوض حرباً مفتوحة ضد الغرب؟ وهل يمتلك المؤهلات التي تمكنه من التعامل مع الصين بعد انتهاء شعر عسل الدورة الأولمبية؟ في رأيي، أنه إذا لم يتمكن أوباما من اجتياز اختبار "كونالي" بشكل مقنع، وإذا لم يستطع أن يقول للناخبين من هو وماذا ينوي أن يفعل، فإن "الجمهوريين" قد يلتهمونه على وجبه الغداء في نوفمبر المقبل! والتر روجرز ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كبير المراسلين الدوليين سابقاً لشبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأميركية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"