على رغم الأنباء التي تقول إن موضوع الاقتصاد قد غطى على حرب العراق، وأصبح يحتل قائمة اهتمامات الناخبين الأميركيين في الوقت الراهن، فإن الحقيقة هي أن تلك الحرب أو "العقلية التي زجت بنا في هذه الحرب" ستظل موضوعاً شديد الأهمية في سياق المنافسات الانتخابية التي ستجري في العام الحالي: فعلى رغم أن أخبار العراق قد تراجعت إلى حد كبير سواء في الصحف أو في نشرات الأخبار في أميركا، فإن العراق ذاته لا يزال يمثل صندوق بارود جاهزاً دوماً للانفجار، ولم يوضع بعد على الموقد الخلفي. فانخفاض نسبة العنف في ذلك البلد، لا يرجع إلى سياسة زيادة عدد القوات الأميركية هناك، بقدر ما يرجع إلى التغير في تكتيكات الجماعات العراقية. علاوة على ذلك فإن أي تغير في أي عامل من العوامل الداخلية والخارجية المتعلقة بموضوع العراق، مثل تغير المقاربة الإيرانية، وتجدد المطالب الكردية بالانفصال، وتصاعد التنافس والتوتر بين الجماعات الشيعية المختلفة، أو بين الجماعات السنية المكونة حديثاً وقوات الأمن العراقية، يمكن أن يؤدي إلى تأجيج الموقف، وتجدد الصراع. لذلك أرى أنه ليس بمقدور بوش ولا السيناتور "جون ماكين" المرشح المفترض لـ"الجمهوريين" أن يتفاخرا بتحقيق نجاح في العراق، لأن كافة التوقعات تشير إلى أنه بمقدم شهر نوفمبر، أو ربما قبل ذلك، سيحول التحدي العراقي مرة ثانية إلى موضوع مطروح بقوة ينتظر حلاً شاملاً. وفي مواجهة كل ذلك يمكن أن نتوقع أن ماكين وحلفاءه سيستمرون في تأكيد الحاجة إلى تحقيق الحسم العسكري، ويتجنبون ذلك النمط من الدبلوماسية الذي دعت إليه مجموعة "دراسة العراق"، الذي ينظرون إليه على أنه يمثل نوعاً من "الترضية الخطرة"، و"استسلاماً في مواجهة الإرهاب". والسؤال هنا هو: كيف ستكون استجابة المرشح "الديمقراطي" المنافس للسيناتور ماكين، وما هي طبيعة السجال الذي سينشأ حول ذلك؟ إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن العراق سيعود ثانية كي يصبح بؤرة سجال، وأن التوتر مع إيران سيبقى بل وقد يزداد، فإن "الديمقراطيين" سيكونون بحاجة في هذه الحالة إلى اتباع مسار مختلف عن ذلك الذي اتبعوه منذ خمس سنوات عندما بدأت هذه الورطة. ولأنني كنت مشاركاً في السجال الذي دار قبل حرب العراق، فإنني أتذكر جيداً أنه عندما عزف البيت الأبيض على أوتار الخوف، والإرهاب، والأمن القومي، تراجعت القيادة "الديمقراطية" في ذلك الوقت أمامه نظراً لعدم رغبتها في الظهور بمظهر من يتبنى موقفاً متخاذلاً بشأن الأمن القومي. وكان ذلك بمثابة خطأ كبير في ذلك الوقت مثلما هو خطأ كبير الآن. في عام 2003، ضغطت على الحزب "الديمقراطي" لتمرير قانون يعارض الحرب، مؤكداً أن البيت الأبيض لم يقدم إجابات واضحة عن أسباب تلك المغامرة، أو تكاليفها، أو شروط خوضها. وقلت في ذلك الوقت إن شن حرب من تلقاء أنفسنا ضد العراق، دون الحصول على تأييد المجتمع الدولي، ودون حسم الحرب في أفغانستان، كان بشكل فظيع. في ذلك الوقت فشلت جهودي طبعاً، لأن بعض زعماء "الديمقراطيين" لم يكونوا يريدون أن يتم النظر إلى الحزب على أنه يتخذ موقفاً متخاذلاً بشأن مسائل الأمن القومي. وهو ما رددت عليه في حينها بالقول إن الأمر لا يتعلق بالضعف أو القوة، بقدر ما يتعلق بالذكاء. وعندما يأتي نوفمبر المقبل ينبغي ألا يكون لدى أي أحد شك في وجاهة هذا القول، وخصوصاً بعد فشل سياسات الرئيس بوش في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وهو الفشل الذي يعني أن أميركا ستظل تواجه تحديات هائلة منها: هشاشة وتقلب الوضع في العراق، وتعاظم الدور الإيراني، واستمرار التطرف والأصولية. لذلك يجب على "الديمقراطيين" أن يقترحوا بديلاً "ذكياً" للدعوة لشن المزيد من الحروب. ولعل هذا هو السبب تحديداً الذي يجعلني أرى أن موقف باراك أوباما يبدو أكثر إقناعاً، لأنه ظل يرفض الحرب منذ البداية، كما أنه وافق على خطة لإنهائها تشتمل إلى حد كبير على معظم المبادئ التي أوصت بها مجموعة "دراسة العراق"، وأهمها الحاجة إلى تبني نوع من الدبلوماسية الجسورة، من أجل حل مشكلات المنطقة، التي طال عليها العهد.