بداية السجال السياسي حول الأولمبياد... ونهاية "الالتزام" الأطلسي في أفغانستان؟! خلفيات صدور بيان 14 فبراير في فرنسا، وحجم التحديات المطروحة على "الناتو" في أفغانستان، وانطلاق إشارة البداية للاستثمار السياسي لألعاب بكين الأولمبية، موضوعات ثلاثة نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. --------- ساركوزي... ونداء 14 فبراير: تناول العديد من كُتاب افتتاحيات الصحف المحلية الفرنسية خلفيات النداء المشترك الذي وجهه كل من دومينيك دوفيلبان وسيغولين رويال وفرانسوا بايرو وآخرين لترشيد ممارسات الحكم، ولمطالبة الرئيس نيكولا ساركوزي بتوخي المزيد من "الحذر الجمهوري" حتى لا تنزلق السياسات إلى نوع من الأحادية. في افتتاحية "لانوفل ربيبليك" ركز دنيس دومين بشكل خاص على دلالة اشتراك رئيس الوزراء السابق وأحد رموز الحزب الحاكم (دوفيلبان) في التوقيع على هذا البيان المنتقد ضمنياً لأداء ساركوزي، مشيراً إلى أن لمثل هذا التصرف خلفيات ذات صلة بطبيعة الرجل النرجسية غير الحذرة وربما حتى الانتحارية سياسياً. هذا إضافة إلى أنه لا توجد مشتركات بين أطراف الثلاثي المصطنع دوفيلبان- رويال- بايرو، إضافة إلى شخصيات أخرى من ضمنها ساسة ديغوليون تاريخيون وحتى شيوعيين، سوى أنهم جميعاً مناهضون لساركوزي ولما يعتبرونه ميولاً ديكتاتورية في أدائه السياسي. وفي افتتاحية "لوكورييه بيكار" اعتبر "فرانسيس لاشا"، أن ثمة فعلاً ما يبعث على القلق في أداء ساركوزي، على رغم كثرة نشاطه وإعلانات خطواته اليومية وتدخلاته، حول كل شيء، وتلاحق مبادراته وأفكاره الجديدة التي لا تنتهي، والتي لا أحد يعرف من أين أتت ولا إلى أين ستنتهي. هذا إضافة إلى إعطائه انطباعاً بأن المعنى الوحيد للديمقراطية الذي يفهمه هو ما يؤكد فقط أنه هو شخصياً على حق. ولكل هذه الأسباب نرى الآن مبادرة كل هذا العدد من رجال السياسة -ونسائها- بالتنبيه إلى ضرورة التحلي بقدر أكبر من الحساسية الجمهورية في خضم ممارسة الحكم في فرنسا. وعلى رغم وجاهة، واستعراضية، هذا النداء فإنه يخشى مع ذلك أن ينظر إليه البعض في صفوف اليمين الحاكم على أنه استهداف لرئيس الجمهورية، بغية تحويل هذا الأخير إلى "ضحية" وتعظيم فرص التعاطف معه. الفشل يهدد في أفغانستان: تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوموند تحليلاً سياسياً لما اعتبرته مأزقاً متصاعداً يواجهه الحلف الأطلسي في أفغانستان، مبرزة في البداية اعتراض الرئيس حامد قرضاي على تولي اللورد البريطاني بادي أشدون منصب منسق الدعم الدولي لأفغانستان، وهو اعتراض له ما يبرره، وذلك لما عرف به أشدون من ميول أوتوقراطية أثناء توليه منصباً دولياً مشابهاً في سراييفو، ومن ثم يخشى الرئيس الأفغاني أن يبدو المنسق الدولي في هذه الحالة وبهذه الميول الشخصية كما لو كان "مندوبا سامياً" غربياً في نظر كثير من الأفغان. ولكن على رغم هذا التجاذب فإن إنتاج مقاربة دولية جديدة للتعامل مع الحالة الأفغانية بات ضرورة مُلحة وغير قابلة للتأجيل. فحجم الأزمة هناك يزداد تعقيداً على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية وطبعاً العسكرية. والعمل على رفع كل هذه التحديات بصرامة، إضافة إلى تحدي الحرب على زراعة الأفيون ربما كان "أشدون" شخصاً مؤهلاً في نظر الكثيرين لتوليه. أما القادة الأطلسيون الذين استسلموا في البداية لتفكير رغائبي بأن النصر في أفغانستان أمر محتوم، فيبدو أنهم بدأوا يعرفون مصاعب في قناعاتهم الذاتية في ضوء سيولة وتعقيدات الوضع على الأرض. فتزايد هجمات وتفجيرات مقاتلي "طالبان" في جنوب البلاد، أصبح هاجساً حقيقياً. وحين يأتي الاعتراف الأطلسي في مثل أوضاع ضاغطة كهذه فإنه يكون عادة من قبيل الإقرار في النهاية بأن "الملك عارٍ" حقاً. وليس من قبيل الصدفة تصريح مسؤول في الإدارة الأميركية هو ريتشارد بوتشر مؤخراً بشأن أفغانستان بأن "حدوث تقدم ليس مضموناً". كما ليس من قبيل الصدفة كذلك تزامن صدور أربعة تقارير أعدها خبراء عسكريون مطلقة جميعاً أجراس الإنذار: أنه من دون مراجعة جذرية للاستراتيجية (في الواقع غياب الاستراتيجية) الدولية في أفغانستان، فإن هذا البلد بصدد التحول مجدداً إلى "دولة فاشلة"، ما يفتح الأبواب والنوافذ معاً أمام تحوله -إن لم يكن قد تحول فعلاً- إلى بؤرة ساخنة من بؤر الإرهاب الدولي. وتمضي لوموند في تحليلها منتقدة المقاربة الأميركية للمسألة الأفغانية المراهنة على حليف إقليمي واحد، إضافة إلى تكرار لوم حلفائها الأطلسيين وتوجيه التهم إلى قصور أدائهم العسكري في أفغانستان، وهم الحلفاء الذين عولت طويلاً على تلزيم "المقاولة الأفغانية" عليهم، كبريطانيا وكندا وهولندا وأستراليا. فقد وصف وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مؤخراً الحلفاء بأن طبيعة تكوين جيوشهم تجعلها غير قادرة على خوض حروب العصابات وتلجأ أكثر من اللازم للاستعانة بالقوة الجوية ما يزيد عدد الضحايا المدنيين الأفغان، وبالتالي يؤثر على معركة كسب القلوب والعقول. وتعتبر الصحيفة أن صدور مثل هذه التصريحات الأميركية، فضلاً عن كونه غير موضوعي، فإنه يثير أيضاً مشاعر الامتعاض لدى أكثر حلفاء أميركا "أطلسية" والتزاماً تجاه التحدي الأفغاني، وهذا ربما يكون هو ما يؤطر في الواقع خلفية تهديدات كندا وهولندا المتواصلة بإمكانية سحب قواتهما إن لم يتم تعزيزها أطلسياً. وفي المجمل فإن الشبح الذي يواجه أفغانستان اليوم ليس "انتصاراً" لـ"طالبان" بقدرما هو خطر تآكل وتفكك الالتزام الأطلسي تجاهها. الأولمبياد... وبداية الملاسنة: في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو رصد محرر الشؤون الدولية بيير روسلين بداية الاستثمار السياسي الصيني والدولي للألعاب الأولمبية التي ستستضيفها بكين في أغسطس من العام الجاري. فعلى رغم أن الأولمبياد عادة يوفر فرصة كبيرة للانتشار العالمي للدولة المستضيفة وذلك بالنظر إلى حجم التغطيات الإعلامية وتركيز العدسات والأضواء عليها، وهي الميزة التي يبدو أن الصين استعدت لها جيداً لتسويق نفسها ونجاحاتها الاقتصادية جيداً، إلا أن هذه الميزة قد تكون أيضاً سلاحاً ذا حدين حيث بدأ الآن آلاف ناشطي حقوق الإنسان حملة دولية للتأثير على بكين. ونقاط التجاذب بين الناشطين والحزب الشيوعي الصيني الحاكم كثيرة وتشمل خاصة الموقف من إقليم التيبت وقضية تايوان، وقضايا حقوق الإنسان وأحكام الإعدام، ومعاملة جماعة "فالون جونج" وأيضاً الموقف من قضية دارفور، وغير ذلك. ولئن كانت الصين بدأت تخفف الوطء قليلاً في ملف حقوق الإنسان استباقاً لسجالات الأولمبياد، وبادرت بعرض إرسال جنود إلى دارفور، إلا أن حجم مبادراتها ما زال بعيداً من الاقتراب من سقف التوقعات التي ينتظرها منها ناشطو حقوق الإنسان. هذا إضافة إلى أن بكين لم تكن محظوظة خاصة فيما يتعلق بـ"صدف المواعيد"، فالأولمبياد يفتتح يوم 8 أغسطس، وعندها تكون الحملة الانتخابية الأميركية في أشد عنفوانها، وها هو المخرج الشهير مايكل مور بدأ يدخل على خط الحملة الدولية، ومايكل مور ليس أي شخص في أميركا، فهو في النهاية بمثابة ناطق غير رسمي باسم جهة خلاقة في صنع الصور والألقاب والإيقونات هي هوليوود، وهوليوود في النهاية جزء من آلة الحزب "الديمقراطي" الدعائية، وسيكون متوقعاً في هذه الحالة تعرض الصين لحملة دعائية شعواء تضعها في صلب سجال الرئاسيات الأميركية، مع ما لكل ذلك من تأثير بالغ على الإعلام الدولي برمته. إعداد: حسن ولد المختار