اتخذت دولة الإمارات خطوات عدّة لتنظيم وضبط سوق العمل، بعد أن تصاعدت مشكلة العمالة المخالفة خلال السنوات الأخيرة، جرّاء الكثير من الممارسات السلبية، سواء من العمال أو من بعض الكفلاء. وكانت المهلة التي منحتها وزارة الداخلية، في نهاية العام الماضي، لمخالفي قانون دخول وإقامة الأجانب لمغادرة الدولة، خطوة بارزة على هذا الصعيد، حيث تمّ منح هؤلاء المخالفين ثلاثة أشهر لتصحيح أوضاعهم وإنهاء مخالفاتهم أو مغادرة الدولة دون أن تترتب على ذلك أي غرامات مالية بحقهم، وتمّ تمديد المهلة لشهرين إضافيين. وفي سياق المزيد من الخطوات، جاء المرسوم الاتحادي رقم 8 لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 8 لسنة 1980 في شأن دخول وإقامة الأجانب، ومع دخول هذا المرسوم حيّز التنفيذ، تكون عملية تنظيم سوق العمل قد دخلت مرحلة جديدة أكثر زخماً، بالنظر إلى حزمة الإجراءات والعقوبات الجديدة والمشدّدة التي نصّ عليها المرسوم الجديد، والتي تكفل عقوبات رادعة بحق المخالفين، تنوّعت بين الحبس والغرامة المالية أو الجمع بين الحبس والغرامة. وفي الوقت الذي هدف فيه القانون إلى مكافحة ظاهرة العمالة المخالفة، فإنه سعى إلى حفظ حقوق العمال، وهذا توجّه جيد وينسجم مع الجهود التي تبذلها الدولة لحماية حقوق العمالة. ولعلّ تركيز القانون المذكور على مكافحة ظاهرة التسلل للدولة، يمثّل إضافة مهمّة لجهود ضبط سوق العمل، حيث إن التسلل يمثّل رافداً لتغذية مشكلة العمالة المخالفة، ومن ثم يعقّد الجهود الخاصة بمكافحتها. ومما لا شكّ فيه أن تشديد العقوبات يمثّل خطوة مهمّة على صعيد ضمان تنظيم أكثر انضباطاً لسوق العمل، بيد أن إعادة الانضباط الكامل لسوق العمل في الدولة، ليس رهناً فقط بتشديد العقوبات على المخالفين من العمال وأرباب العمل، فالأمر يتطلّب المزيد من الخطوات الإضافية والتكميلية، وفي مقدّمتها استمرار حملات التوعية بتبعات مخالفة القانون، وتكثيف الحملات الخاصة بملاحقة المخالفين والمتسللين في جميع أنحاء ومنافذ الدولة وعدم التواني في إلقاء القبض على المخالفين وترحيلهم بعد تطبيق العقوبات المناسبة، باعتبار أن ذلك يسهم في بناء نوع من الردع الوقائي، إذ أنه وعلى الرغم مما اتخذ في الفترة الأخيرة من عقوبات جديدة مشدّدة بحق المخالفين والمتسللين، لا تزال مشكلة هؤلاء المخالفين والمتسللين قائمة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن عدد المخالفين لقانون دخول وإقامة الأجانب بلغ خلال يناير الماضي نحو 33602 مخالف، منهم 9084 مخالفاً بإقامة و24518 مخالفاً دخل الدولة بتأشيرة زيارة. ويضاف إلى ذلك بطبيعة الحال ضرورة تفعيل الشق الخاص بعملية التفتيش العمالي، لأنه يمثّل الجانب الأكثر حيوية في عملية تنفيذ المرسوم الاتحادي الجديد. إن العمالة المخالفة تمثّل ظاهرة خطيرة، لها تداعياتها السلبية على مختلف مناحي الحياة، خاصة الجانب الاقتصادي والاجتماعي والأمني وكذلك الإنساني، ومن المؤكد أن القضاء عليها أو تقليصها إلى أدنى حدّ ممكن يعدّ شرطاً أساسياً لضمان عودة الانضباط التام إلى سوق العمل، وهو بدوره يعتبر أمراً غاية في الأهمية بالنسبة لعملية التنمية الاقتصادية. ومن هنا، فإن الجهات والمؤسسات المعنية كافة عليها أن تتعاون في ما بينها لتحقيق هذا الهدف. وفي نهاية المطاف تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة العمالة المخالفة لن تنتهي بين عشية وضحاها، فهذه المشكلة تراكمت مع مرور الوقت، ومن ثم، فإن عملية تنظيم سوق العمل على النحو المأمول ستأخذ وقتاً ليس قصيراً. وهذه الحقيقة يجب أن تزيد من عزم وتصميم الجهات المسؤولة على مواصلة جهودها حتى بلوغ الهدف المنشود.