في مقال عن الوضع الاقتصادي في العالم الإسلامي، نشرت مجلة الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية الصادرة في الكويت، مقالاً بعنوان "رغم الثروات الضخمة... الفقر يجتاح العالم الإسلامي". وقد فوجئت بحديث المجلة عن "ليبيا كنموذج عربي على انتشار الفقر بين مواطنيها على الرغم من أن دخلها يقدر بالمليارات". ويضيف المقال إن "ظاهرة الفقر بلغت حداً لم يعد التكتم عليه يُجدي السلطات الليبية التي وجدت نفسها مجبرة على الاعتراف رسمياً، وفي أكثر من مناسبة بوجود مليون ليبي فقير- مجموع السكان أقل من ستة ملايين- كما أن رئيس الحكومة أشار إلى وجود قرابة 180 ألف أسرة تعيش على مئة دينار ليبي، أي 75 دولاراً، الأمر الذي يعني أن خمس سكان ليبيا يعيشون تحت خط الفقر، إلى جانب بطالة بلغت 30%، أي ما لا يقل عن مليون ليبي عاطل عن العمل". (العالمية، أغسطس 2007، ص34). ويعرِّف البنك الدولي الدول الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنوياً، وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنوياً. ولا يرتبط وجود الفقراء بفقر الدولة، كما هو واضح في النموذج الليبي، فحوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي أنهم فقراء في بلاد الأغنياء. وتشير الإحصائيات إلى وجود 30 مليون فرد، يعيشون تحت خط الفقر، أي نحو 15% من السكان، في الولايات المتحدة. الدراسة التي أعدها الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية، د. حمد العقلا، تؤكد أن نحو 83% من تعداد سكان العالم العربي، يعيشون في مستوى دخل متدن، وأن الهوة تزداد اتساعاً بين فئة الفقراء الأكبر عدداً وفئة الميسورين الأقل، وأنه من المتوقع أن تزداد حدة الفقر مع تضاعف عدد سكان العالم العربي سنة 2025، ولا يهدد الفقر وحده شعوب العالم العربي، بل ويتعاون معه كذلك المرض والجهل. ففي يوليو الماضي، دق المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألِكْسو" ناقوس الخطر، "من تدهور مستوى التعليم في الوطن العربي وتزايد معدلات الأمية. وكشفت إحصاءات الباحثين ارتفاع أعداد الأميين العرب من خمسين مليوناً عام 1970 إلى سبعين مليوناً عام 2006، بين الفئات العمرية التي تزيد على 15عاماً. ووصل معدل الأمية في العالم العربي إلى 35.6% وتشكل النسبة ضعف معدل الأمية في العالم، وتنتشر الأمية بنسبة مرتفعة بين النساء، اللاتي يعاني نصفهن تقريباً منها بنسبة 26.5%. (القبس الكويتية، 16/7/2007). وإلى جانب هذه المشاكل الكبرى، ثمة مشكلة أخرى لا تقل حجماً وخطورة، ألا وهي مشكلة البطالة. "فالنظام العربي يعاني من بطالة واسعة النطاق، يقدرها البعض بنسبة 20% من قوة العمل العربية، البالغة نحو 113 مليون نسمة في عام 2004، أي أنها تبلغ الآن -عام 2005- نحو 20-22 مليون نسمة. وتزيد قوة العمل العربية سنوياً بمعدل 3.5%، أي أن الباحثين الجدد عن عمل يزيدون سنوياً بنحو 3-4 ملايين نسمة، الأمر الذي يعني أن هذه المشكلة يمكن أن يصل حجمها إلى نحو 60 مليون عاطل بعد 10 سنوات. (ورقة د. أحمد جويلي، متطلبات الإصلاح في العالم العربي، الأردن 2006، ص77). ومن أخطر ما نشرته الصحف العربية مؤخراً حول البطالة وآثارها على شباب العالم العربي، نتائج دراسة ميدانية في سوريا "مركز الدراسات والبحوث" التابع لحزب "البعث العربي" الحاكم حول واقع الشباب في سوريا، من خلال عينة مؤلفة من 9350 شاباً وشابة، تتراوح أعمارهم بين 13 و35 سنة، تمثل نحو 15 ألف أسرة في أربع محافظات. وقد "أظهرت الدراسة أن نسباً عالية من الشباب تعاني مشكلات عصبية ونفسية، وجاءت البطالة التي تعتبر إحدى أهم المشاكل التي تفرض نفسها جدياً على الاقتصاد السوري منذ سنوات، من دون أن تجد حلولاً لها في كل قرارات المعالجة المتخذة حتى اليوم، في المركز الأول من مشاكل الشباب بنسبة 46.1%، يليها التفكك الأسري بنسبة 31.5 في المئة، والتعليم ثالثاً بنسبة 13.3 في المئة، والسكن بنسبة 7.2 في المئة. أما الشباب الذي يعمل سواء كان في شكل دائم أو موسمي، فبلغت نسبته 24.1 في المئة من مجموع عدد الشباب، لكن 28.4 في المئة منهم يقل دخله عن مئة دولار أميركي شهرياً، بينما يتراوح دخل 56 في المئة منهم بين مئة وأقل من مئتي دولار شهرياً. أما من يتجاوز دخلهم حاجز الـ300 دولار فلا تتجاوز نسبتهم 4.8 في المئة. ونتيجة ذلك، بينت الدراسة أن البحث عن عمل وعدم القدرة على إيجاده هو واحدة من المهن التي يمارسها الشباب العاطل عن العمل، إذ أن نحو 21 في المئة من الشباب الباحثين عن العمل مضى على بقائهم عاطلين أقل من سنة مقابل 26.6 في المئة صار لهم خمس سنوات وأكثر في البحث عن العمل". (الحياة، 30/9/2007). ولنستمع إلى كاتب صحفي أردني معروف، د. فهد الفانك، وهو يستعرض ما يعتبرها غرائب اقتصاديات بلاده. إدارة الاقتصاد الأردني- يقول د. الفانك- قد تكون أصعب من إدارة أي اقتصاد عالمي آخر، لأن تركيبته غريبة، وقد لا تجد لها مثيلاً في أي بلد في العالم. هل يوجد في العالم بلد ينفق شعبه وحكومته على الاستهلاك 107.7 بالمئة من ناتجه المحلي الإجمالي، ومع ذلك تحصل فيه استثمارات تزيد قيمتها عن 27.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أنه يتصرف بما يعادل 135.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي؟ وهل يوجد بلد يسمح لنفسه باستيراد سلع وخدمات تعادل قيمتها 87.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين لا يصدِّر سوى ما يقارب 51.8 بالمئة منه؟ ولا يقف الأمر عند هذا الحد- يضيف د. الفانك مستغرباً- بل إن التوفيرات الكلية للمجتمع الأردني (شعباً ودولة) تعادل 14.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك تصل الاستثمارات في الأردن إلى 27.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويمول الفرق بطريقة أو بأخرى من مصادر خارجية. ويختتم الكاتب مقاله قائلاً:"نعم، عجز في الموازنة العامة للدولة، وعجز في ميزان الإنتاج والاستهلاك، وعجز في تمويل الاستثمارات من المدخرات المحلية، وعجز في ميزان السلع، وعجز في ميزان الخدمات، ومع ذلك ارتفاع في احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، واستقرار أو انخفاض في مستوى المديونية الخارجية. كيف يمكن أن يحصل كل هذا؟ الجواب هو غزارة جوالات المغتربين، والمنح الأجنبية للخزينة، وتدفقات الاستثمارات الخارجية. إنها معجزة لا تنفع في حل طلاسمها قراءة كتب الاقتصاد، لأن الاقتصاديين لم يخطر ببالهم مثل هذا النموذج، فإما أن مدراء الاقتصاد الأردني عباقرة، أو أن علم الاقتصاد بحاجة للتعديل". (موقع Alarabonline، 10/10/2007). ثمة كذلك في العالم الإسلامي، وعلى نطاق أضيق في العالم العربي، مشكلة أخرى حادة لا يمكن إهمال الإشارة إليها، وهي الجوع أو المجاعة! وبالرغم من أن الناس لا يموتون جوعاً في معظم أنحاء العالم العربي، إلا أنه واقع أو خطر ماثل في مدن وأحياء كثيرة في الدول العربية. ويقول الخبراء إن الحروب في مختلف أنحاء العالم، تشكل السبب الحقيقي للمجاعة، فخلال السنوات الخمسين الماضية، لم يكف عدد الصراعات المسلحة عن الازدياد في العالم. ومنذ عام 1945 مثلاً، أُحصي منها ثلاثون صراعاً كبيراً ومائة صراع صغير، حيث دمرت الحروب خلال تسعينيات القرن العشرين وحدها أربعة عشر بلداً. هل من سبيل لعلاج كل هذه المشاكل؟ أحد المهتمين بتقديم الحلول يقول إن الخروج من هذا المأزق ممكن من خلال تدارك بنية المجتمع العربي، بتصحيح الخلل الكبير في توزيع الثروة الوطنية والقومية، ومن خلال تحول المجتمع العربي من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج، ومن خلال توجيه الأموال البترولية العربية لصالح التنمية.