ملامح من المستقبل الإسرائيلي --------------- يرصد الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه "ملامح البنية الديمغرافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية لإسرائيل حتى عام 2015"، لمؤلفه نبيل محمود السهلي، أهم التطورات التي شهدها الكيان الإسرائيلي على المستويات المذكورة، منذ إنشائه، فيبحث التطور الديمغرافي لليهود في فلسطين المحتلة، والتركيب السكاني للدولة الإسرائيلية، وخصوصية حياة العرب داخل الخط الأخضر، وأداء الاقتصاد الإسرائيلي، والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وفي الجانب الديمغرافي، يقول إن الهجرة اليهودية لعبت دوراً حاسماً وأساسياً في إنشاء الدولة الإسرائيلية، وقد كانت ولا زالت حجر الزاوية في الاستراتيجية الصهيونية من "تيودر هرتزل" إلى "إيهود أولمرت". لكن هذه الهجرة تصطدم بعقبة رئيسية هي الإخفاق في تحقيق مجتمع إسرائيلي مندمج ومتسق، إذ هناك أحاديث حول بداية انتفاضة متوقعة لليهود الشرقيين (السفاريدم) ضد هيمنة اليهود الغربيين (الأشكناز) على مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وذلك أحد المتغيرات الأساسية وراء تراجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. ووفقاً لدراسة أصدرتها الجامعة العبرية في القدس المحتلة عام 2006، فإن غالبية يهود العالم، والبالغ عددهم 19.1 مليون نسمة، لازالت تعيش خارج إسرائيل. فالدولة العبرية منذ إنشائها لم تستطع جذب أكثر من 5.6 مليون يهودي، أي نحو 40% فقط من إجمالي يهود العالم، كما أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين تراجعت في الأعوام الأخيرة الى أدنى مستوياتها، فضلاً عن تزايد الهجرة المعاكسة، وذلك بسبب الانتفاضات الفلسطينية، وحرب لبنان، علاوة على العامل الاقتصادي أيضاً. وبعد أن اجتذبت إسرائيل أكثر من مليون يهودي من دول الاتحاد السوفييتي السابق، بقي الكم الأكبر من يهود العالم في الولايات المتحدة (6 ملايين يهودي)، وفي فرنسا (700 ألف يهودي)، وهما بلدان غير طاردين لليهود بسبب ارتفاع مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية فيهما. وفي المسألة الديمغرافية التي تحظى باهتمام إسرائيلي متزايد، ينقل المؤلف تقديرات أوردها تقرير نشره معهد "فان لير" عام 2003، وتشير إلى أن أغلبية يهودية ستكون حتى نهاية العقد الجاري بين الأردن والبحر بنسبة 51%، لكن هذه النسبة ستتراجع بأربع نقاط مع حلول عام 2020، ثم بعشر نقاط في عام 2050. أما إذا جرى تحديد خط الفصل من الآن، فستظل هناك أغلبية يهودية داخل حدود الدولة الصهيونية بنسبة 78% عام 2020، لكنها ستكون في تراجع دائم. وبناء على الاتجاه العام لمعدلات النمو السكاني، تتخوف دوائر القرار ومراكز الدراسات والبحوث الإسرائيلية، من احتمال حدوث خلل في الميزان الديمغرافي لمصلحة العرب في فلسطين التاريخية على المدى البعيد، حيث يتزايد العرب مقارنة باليهود بوتائر عالية بفعل الخصوبة المرتفعة عند النساء العربيات. وثمة مشكلة أخرى تتصل بالبنية الديمغرافية، فرغم أن المجتمع الإسرائيلي "مجتمع ناضج"، فإن معدل النشاط الاقتصادي بين اليهود في فلسطين المحتلة لم يتعد 37% من إجمالي عدد اليهود هناك، وهو ما يجد ترجمته المباشرة في المكون الاقتصادي لواقع الدولة العبرية ومستقبلها. وفي تتبعه لمراحل تطور الاقتصاد الإسرائيلي، يوضح المؤلف أن الدولة العبرية استطاعت بناء اقتصاد قوي يحقق الرفاه لمجتمعها، ويشكل مصدراً لتمويل الحرب. وقد تميزت المرحلة الأولى وصولاً إلى عام 1954 بالتركيز على القطاع الزراعي، بينما اتسمت المرحلة الثانية بنمو عال نتيجة الدعم الغربي، لكن في المرحلة الثالثة أحدثت حرب أكتوبر 1973 ركوداً في الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الارتباك الذي أصاب عجلة الإنتاج في قطاعاته المختلفة، وامتدت مرحلة الكساد حتى عام 1985. لكن منذ ذلك الحين دخل الاقتصاد الإسرائيلي مرحلة الإصلاح والتعديلات البنيوية عن طريق الخصخصة. وساهمت عوامل إضافية في تطور الاقتصاد الإسرائيلي، منها مستويات التعليم العالية، وارتفاع معدلات استخدام الحواسيب وشبكات الإنترنت، وتدفق الاستثمارات الأجنبية. وساعد الأداء الجيد للاقتصاد الإسرائيلي على ارتفاع معدلات التنمية البشرية، نتيجة القدرة على تخصيص موارد مالية لإنفاقها على قطاعات التعليم والصحة وباقي الخدمات الاجتماعية العامة الأخرى. ووفقاً للاتجاه العام لمعدلات النمو الإسرائيلية في الفترة بين عامي 2000 و2006، يتوقع أن يصل الناتج المحلي الإسرائيلي في عام 2015 إلى نحو 200 مليار دولار، مقارنة بحوالي 150 مليار دولار عام 2006، وهو ما سيرفع من مؤشرات التنمية البشرية إلى معدلات قريبة من نظيرتها في دول متقدمة مثل السويد وكندا والنرويج. لكن ذلك سيكون رهناً بشروط سياسية وأمنية، قد لا تتوفر في المدى المنظور. لذلك يخصص المؤلف فصلاً كاملاً من كتابه لـ"مؤسسة العسكرتيريا في إسرائيل"، ويتعرض للاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، وأبعاد الخيار النووي الإسرائيلي، وتشكيلة جيش إسرائيل، والدور الغربي في بناء ترسانة الأسلحة الإسرائيلية، والصناعة الأمنية في إسرائيل. ويذكر في هذا السياق أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تسعى إلى إدخال التقنيات المتطورة على سائر صنوف الأسلحة الجوية والبرية والبحرية، للإبقاء على التفوق النوعي مقارنة بالدول العربية، هذا إلى جانب حيازتها السلاح النووي. وعلاوة على مشروع "حيتس" الرامي إلى بناء دفاعات صاروخية مضادة للصواريخ، كذلك تعمل إسرائيل على تطوير أنظمة الاستطلاع الإلكترونية للإنذار المبكر وحيازتها. وربما بقي أن نقول كلمة بحق الكتاب، وهي أنه لم يهتم باستشراف المستقبل الآتي وتوقعاته، بقدر ما بقي في دائرة الماضي المنقضي، مستغرقاً في التكرار الإنشائي. وقد افتقر بشكل كبير إلى الأرقام الجديدة وتواريخ السنوات القريبة، أما الرقم الذي يشير إلى عام 2015، فقد خلت منه فصول كاملة. وإذا لم يكن محتوى الكتاب معبراً عن عنوانه، فهو كذلك لم يستند إلى منهجية منضبطة، بل اتسم ببعض الخلط والفوضى والارتباك أحياناً. محمد ولد المنى ـــــــــــــ الكتاب: ملامح البنية الديمغرافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية لإسرائيل حتى عام 2015 المؤلف: نبيل محمود السهلي الناشر: صفحات للدراسات والنشر تاريخ النشر: 2008