نقر ابتداءً أن "الهوية الوطنية" قد استقرت في جذر قلوب المواطنين منذ عقود وأنه أمر بدهي لا يحتاج إلى كثير من الجدال أو السجال، حتى نطمئن بأن مؤثرات هذه الهوية تتحكم في سلوكياتنا وتنفذ إلى مسامات أعمالنا في جميع المسارات والاتجاهات. وإعلان صاحب السمو رئيس الدولة -حفظه الله- عن تخصيص عامنا هذا للهوية الوطنية، جاء لتعزيز هذه القضية الجوهرية في بؤرة اهتماماتنا وأولوياتنا، حتى لا تنحرف بوصلة الوطن الغالي تجاه المصالح الدونية أو الذاتية، والتي تضيِّق من إطار المصلحة العامة إلى الشخصنة أو الفردية المجردة من الجماعة التي تدعم الهوية الوطنية المرتبطة بالاتحاد عامة. فلا يمكن التراجع عن زرع المزيد من فسائل التربية الوطنية العميقة للحفاظ على هذا الكيان شامخاً مهما كانت رياح التغييرات التي يتم التذرع بها عاتية علينا ولكن على بنيان الوطن في هويته مهما أطلت المبررات برأسها فتبقى القاعدة الوطنية هي الأصل المعتمد وغير ذلك تذروها العواصف بعيداً عن مركز الهوية الوطنية في وجداننا إلى درجة "الجينة" التي لا يمكن فصلها عن الخريطة الجينية العامة للمواطنين. وهذا الشأن والهم المجتمعي العام لا يمكن ربطه بالعام 2008 كمحدد للتحفيز وإنما هو امتداد وتراكمات أحدثت في النفوس تغيرات من أمراض الفرقة التي عانينا منها قبل بزوغ فجر الاتحاد، إلى العافية منها بفضل النسيج الاجتماعي الذي كانت قاعدته بنية الاتحاد الراسخة جذورها في الأفئدة والأكباد الحرّى. ويجب ألا يذهب بنا الظن بأن طرح هذا الأمر في هذه الفترة من عمر الدولة مبني على الخوف من طمس هذه "الهوية الوطنية"، أمام السيل المتدفق من العمالة الوافدة أو المهاجرة بشتى جنسياتها، فهي ليست هويات منافسة لهوية دولتنا، لأن كل مواطن يربط رفعة شأنه وعزته من الاعتزاز بهذه الهوية المصيرية له هو في النهاية الحطب والوقود في آن واحد لإعطاء الجذوة لهويته التي تعلن بكل إخلاص عن ولائه وانتمائه الذي لا يقبل الدخول به في مساومات اللعب على الحبلين، لأن بريق عينيه يفضحه قبل خطوط القانون الحمراء. وانطلاقنا من هذا الأساس يعود إلى نظرية بدهية لجميع شعوب الأرض التي لا تتنازل عن هذا الخط العام لحركة المواطن في أرضه، وقد لاحظنا هذا من خلال متابعتنا للانتخابات الأميركية حيث إن الأجندة مليئة عن آخرها، إلا أن الفقرة الأولى لدى كل المرشحين الرئاسيين هي المنطلق من "الهوية الوطنية"، وقد عبّر عنها أحدهم بمصطلح جديد عن الحياة السياسية وتجاذباتها في أميركا أولاً هو كلمة "جينة"، فالكل سواء من "الجمهوريين" أو "الديمقراطيين" يحترم الهوية الوطنية لأميركا مهما اختلفت الآراء وتضاربت المصالح والأفكار وتناقضت، إلا أن الوطن وهويته والولاء والانتماء المطلق إليه فوق كل الاعتبارات. فإذا كان اعتداد الأميركي بهويته يعود إلى أكثر من قرنين من عمر الوطن، فإنه يكفينا فخراً أن هويتنا الوطنية تليدة ومديدة وعمرها من عمر الأصالة تخرق جدار التاريخ. لقرون عدداً، وفي ذلك من الدلالة أن هويتنا الوطنية ليست مبتورة ومنبتة، فلها من الجذور والجذوع والبذور التي تزيدها رونقاً وبهاءً أمام كل الهويات التي نمد لها يداً من التسامح والقبول بلا تمييز ولا عنصرية بغيضة. فالحفاظ على الهوية الوطنية واستثمارها لصالح هذا الوطن المعطاء من أوجب واجبات الانتماء والتمسك بفروض الولاء، وهو أمر لا نريد أن نخوض فيه نظرياً لأن الهوية الوطنية أكبر شأناً من هذا التعريض العابر لقضية عابرة لحدود القلوب إلى سويدائها.