هل يعاد تقييم العملات الخليجية "revaluation"، أم لن يعاد تقييمها تجاه الدولار؟ سؤال ظل يتردد في الشهور القليلة الماضية، بالتزامن مع الانخفاض المتواصل في سعر العملة الأميركية الذي ترتبط به خمس من عملات دول مجلس التعاون الست. تضاربت الأنباء الخاصة بإعادة التقييم ولا زالت بين التأكيد والنفي في تصريحات محافظي المصارف المركزية التي اتسمت بالغموض والتناقض في بعض الأحيان، ففي أقل من يومين تجد تصريحين متناقضين لنفس المصدر، وكأن الموضوع يتعلق بأحد ألعاب اليانصيب أو مزادات بيع السيارات، وليس بسياسة نقدية ذات تأثير مهم على الأوضاع الاقتصادية والمالية في هذه البلدان. المضاربون الماليون ومحلات الصرافة لم تصدق الخبر، فعمدت إلى تسخير هذه الأنباء المتناقضة لزيادة مداخيلها بصورة خيالية من خلال المضاربة على العملات الخليجية فيما بينها من جهة، وبينها وبين الدولار من جهة أخرى. وعلى الرغم من بلوغ هذه المضاربات مستويات خطيرة، إلا أن إدارات مراقبة البنوك في المصارف المركزية لم تحرك ساكناً، بدليل أن عمليات المضاربة لا زالت مستمرة في كافة دول المجلس، وتؤثر سلباً على حركة السياحة والسفر وعلى المتعاملين مع مكاتب الصرافة المحلية. لا نعرف ما إذا كانت البنوك المركزية تدرك الانعكاسات السلبية لاستمرار هذا الاتجاه على الأوضاع المالية والنقدية في دول المجلس، فالتعاملات النقدية والمالية حساسة جداً حيال التقلبات وتتأثر بشدة من المضاربات، في الوقت الذي تستطيع فيه البنوك المركزية ضبط التعاملات من خلال إدارات المراقبة، وهي مسألة تدخل في صميم عمل ومهام البنوك المركزية. كمثال على استمرار هذا التناقض في التصريحات بين المسؤولين، فقد ذكر مستشار الدولة في قطر قبل ثلاثة أسابيع أن قطر تدرس ربط عملتها بسلة من العملات أو رفع قيمتها لكبح جماح التضخم المتصاعد، مما رفع من حمى المضاربات على الريال القطري، ولم تمض ساعات قليلة حتى جاء تصريح مناقض من مسؤول آخر في دولة قطر ينفي وجود مثل هذا التوجه. أما بعض المحافظين، فإنه يؤكد وينفي في نفس الأسبوع، مما يؤدي إلى إصابة العملة المحلية بما يشبه دوار البحر ما بين ارتفاع وانخفاض. أين الحقيقة إذن؟ بغض النظر عما إذا كان للحقيقة وجهان أو وجه واحد، إلا إن هناك حقيقة موضوعية تتعلق بصعوبة قيام دولة واحدة من الدول الخمس بفك ارتباط عملتها بالدولار بصورة منفردة وبدون تنسيق مع البلدان الأخرى، إذ أن عواقب مثل هذه الخطوة والانعكاسات التي يمكن أن تتركها على الأوضاع النقدية والمالية لا يمكن التكهن بها. والحقيقة الأخرى، هي أن أكثر من 25 عاماً من الارتباط ما بين عملات دول المجلس والدولار واستمرار تسعيرة برميل النفط بالعملة الخضراء لا يترك الكثير من المرونة لاتخاذ خطوة منفردة في هذا الاتجاه. أما إذا ما صحت الأنباء الخاصة باتفاق دول المجلس الخمس (ما عدا الكويت التي ترتبط بسلة عملات) في قمة الدوحة الأخيرة على تحركها بصورة جماعية -وهو اتجاه صحيح- فإن كل ما يقال عن فك الارتباط بالدولار أو إعادة التقييم ليس له أساس موضوعي. في هذه الحالة على البنوك المركزية، وبالأخص إدارات مراقبة البنوك ومحلات الصرافة ضبط التعاملات وأسعار الصرف، وهذه مسألة في غاية السهولة، فأي معاملة في هذا الجانب، بما في ذلك صرف العملات الخليجية فيما بينها أو مع العملات الأخرى تتم بإيصالات رسمية وبسعر الصرف الذي تم إنجاز المعاملة به، مما يسهل من عمليات المراقبة وحماية الأوضاع النقدية والمالية المعرضة للمضاربات الخطيرة. ومثل هذه الأعمال المهنية والرقابية التي تدخل ضمن صلاحيات المصارف المركزية، مسألة مطلوبة أكثر من التصريحات المتناقضة، وهي مطلوبة بشكل خاص في ظل الأوضاع المالية والنقدية المتأزمة في العالم، والتي بدأت تترك آثاراً سلبية وتباطؤاً في الاقتصاد العالمي. وإذا كان لابد من التصريحات فلتكن تصريحات مركزية وصادرة بعد دراسة متأنية لطمأنة الرأي العام وقطاع الأعمال، بما في ذلك إمكانية صدور بيان مشترك للدول الخمس من قبل الأمانة العامة لدول المجلس، وخصوصاً أن مثل هذه التوجهات المطمئنة تعكس حقيقة الأوضاع الاقتصادية الجيدة والنمو الكبير والمتواصل للاقتصاديات الخليجية.